حيفا "مدينة أين": سجاد أحمر لعودة اللاجئ

11 فبراير 2018
من المعرض، عمل لـ حنين إغبارية
+ الخط -

تشكّل الأحياء والحيّز العام محور معرض جماعي عن مدينة حيفا يحمل عنوان "مدينة أين"، المقتبس من مجموعة الشاعر العراقي سركون بولص "الوصول إلى مدينة أين"، والمقام حالياً في غاليري "فتوش" في حيفا، ويضمّ 21 صورة لستة فوتوغرافيين، يتواصل عرضها حتى نهاية شباط/ فبراير الجاري.

المصوّرون المشاركون تتنوّع تجاربهم بين الاحتراف والتجارب الأولى، وهم أشرف عبد الفتاح، وأمل شوفاني، وحمودي غنام، وحنين إغبارية، وسهيرعبيد زعبي، ووائل جبل.

يعكس المعرض جوانب من حيفا من خلال عدسات ستة أشخاص قادمين من خلفيات ومهن مختلفة، ويجمعهم أنهم يقطنون في المدينة الفلسطينية المميزة والمحتلة منذ عام 1948، وأن كل واحد منهم يراها من زاويته ومنظاره ويفسّر ما يراه بطريقته وعدسته، حيث تعرض لكل فوتوغرافي عدة صور لمناطق مختلفة من بينها: "وادي الصليب" و"وادي جمال" والبحر و"البلدة التحتى".

الفوتوغرافي أشرف عبد الفتاح يحضر في "مدينة أين" من خلال ثلاث صور أطلق عليها عنوان "فجوة". ابن قرية "كوكب أبو الهيجا"، يقيم في حيفا منذ أربعة أعوام، ويقول عن تجربته في حديث لـ"العربي الجديد" إن "صوري المشاركة عشوائية، قمت بالتقاطها خلال السنوات الأربع الأخيرة، كمحاولة لوصف هذه المدينة، ناسها وطبيعتها، من منظوري الشخصي".

ويضيف: "أشعر كابن بلد وضيف لأنني لم أولد هنا، لكن ثمة علاقة خاصة مع حيفا، والتصوير جعل هذه العلاقة أقوى وأعطاني وسيلة تعبير عنها. حيث أعرف مشاعر مختلطة نحوها، أحياناً أحسّ بدفئها وأحياناً أحسّ بأنني غريب. حيفا في الأصل عربية بينما الرموز التي تراها للمؤسسات "إسرائيلية"، وهذا خلط يجعلك غريباً على المستوى الاجتماعي والسياسي".

بدوره، يشارك ابن حيفا حمودي غنام، المتخصّص في التصوير الفوتوغرافي وبالتحديد الجغرافي منه، بثلاث صور ظلّت بلا عنوان، يلجأ فيها الفنان إلى الإضاءة الاصطناعية. يعمل غنام على أن تكون خلفيات أعماله متصلة بقصة ما، ويبدو الأمر كما لو أنه يصوّر عالمين مختلفين، ثم يحاول أن يربط بينهما مستخدماً الصورة جسراً، كما لو أنه يحكي حكاية ويبني عالماً قصصياً في صور لها لغتها البصرية الخاصّة.

بالنسبة للفنان وائل أبو جبل، القادم من قرية "مجدل شمس" في الجولان السوري المحتل، فقد أطلق على مجموعته اسم "بلا عنوان"، ويمكن بناء تصوّر عن طبيعة عمله الفني، فهو فنان فوتوغرافي ينتمي إلى استوديو التصوير. يرى أبو جبل أن "حيفا هي الأمل الأخير للوجود العربي الثقافي في الداخل الفلسطيني" ويرى أنها اليوم تلعب دوراً قريباً على المستوى الثقافي "من دور رام الله في الضفّة الغربيّة".

أما الفوتوغرافية سهير عبيد زعبي، التي ولدت في الناصرة ثم انتقلت لتسكن حيفا عام 2009، فتشارك في المعرض بعدة صور، ورغم أنها طبيبة أسنان إلا أنها عملت في السنوات الأخيرة على تطوير مهاراتها في التصوير الفوتوغرافيّ. عن علاقتها التي تمتد لسنوات بحيفا تقول زعبي: "أتيت إلى حيفا بعد أن انتهيت من دراستي مباشرة، بالنسبة إلي إنها المكان الذي وجدت فيه نفسي، المكان الدافئ الحميم والداعم لي على أصعدة مختلفة. لكن حيفا لديها تناقضات كثيرة وهذا هو الأمر الذي حاولت أن أظهره في الصور، مثلما حاولت أن أظهر دفئها وحميميتها".

المصوّرة أمل شوفاني، القادمة من الناصرة، تقول لـ"العربي الجديد" عن علاقتها بالمدينة: "أعتبر نفسي مهاجرة داخلية لمدينة حيفا أقطنها منذ تسع سنوات، درست فيها الدراسة الجامعية، واليوم أشعر بالانتماء إليها، فقد كوّنت مجتمعاً من الأصدقاء وعائلة"، وعن صورها توضح: "قمت بتصوير حي في "وادي الصليب" و"سوق الخردة" وأطلقت على مجموعتي عنوان "قبل أن تنكسر المرأة" وشاركت بسلسلة من ثلاث صور".

الفوتوغرافية حنين إغبارية، حضرت في مجموعة "مدينة أين" من خلال ثلاث صور. إغبارية محامية من أم الفحم، لكنها قامت بعمل تصويري إنشائي، حيث وضعت سجاداً أحمر للدخول إلى بيت مهجور في "وادي الصليب" وآخر إلى بيت بجانب البحر في حي "وادي الجِمال".

عن حيفا توضّح: "وادي الصليب يربطني بحيفا المدينة الحاضنة لنا، والتي فقدت أبناءها الذين يقيمون في الشتات، وبالمقابل هي المدينة التي استطاعت أن تستوعب الهجرة الداخلية من مهجّري عام 1948".

وتكمل: "الشباب وجدوا في حيفا حالة يستطيعون أن يعبروا عن أنفسهم فيها، هي مختلفة عن قراهم وهي الحياة التي يريدونها. قرّرت أن أظهر الفضاء والأماكن الخالية لأسباب عديدة، التقطت صور البيت في وادي الصليب، والبحر هو الرمز للمحطة الأخيرة التي خرج منها الفلسطينيون في عام النكبة. وضعت السجاد الأحمر تعبيراً عن عودة اللاجئ وتعبيراً عن حيفا التي تستقبل الهجرة الداخلية، وتستقبلنا. حيفا هي حلم اللاجئ البعيد وكل من يريد أن يحقّق ذاته، المدينة الوحيدة التي تعبّر عن حلم. حيفا جمال ووجع، والجبل والبحر والسجاد الأحمر يستقبلنا ويرحّب بنا، وسيستقبل العائدين".

وعن أهمية المعرض، والفكرة وراءه، يقول قيّمه، الفنان محمد بدرانة إن الغاليري "يحاول أن ينشئ مساحة معيّنة لمن يهتم بالتصوير الفوتوغرافي، من أجل زيادة الوعي بالسرد البصري"، ويتابع: "إن "فتّوش" هو مساحة مهمّة ضيقة جميلة. وفيه فوتوغرافيون يقدّمون رؤيتهم لفلسطينية حيفا وهويتها. أخذنا صوراً تشكل قصصاً معينة، كتركيبة كاملة للحكاية".

المساهمون