بات شائعاً، في العقدين الأخيرين، استخدام مشاريع الفنون المجتمعية بهدف التنمية، والاستفادة من التعبير الإبداعي كوسيلة لتحويل الشباب والأطفال في المناطق المهمّشة إلى منتجين للفن وقادرين على استخدامه للتعبير، وإعادة صياغة العادات وتوطيد الهوية والاعتراف بالمساهمات الإبداعية الفردية والجماعية داخل تلك المجتمعات.
ومن المفترض أن مثل هذه المشاريع تسعى، مِن بين ما تسعى إليه، إلى التغلّب على التوتّرات بين المجتمع المهمَّش والمجتمع المركز، إلى جانب بناء المهارات التي تساهم في تحويل الديناميات غير العادلة ضمن العمليات الاجتماعية والثقافية المهيمنة.
ورغم نبل هذه المساعي، إلّا أن مخرجَاتها حتى اليوم لم تثبت أنها قادرة على إحداث الفرق، كما أن طبيعة التطوير المنشودة متباينة بحسب حجم المشاريع واستمراريتها، فالفن لا يقدم ترياقاً اجتماعياً وثقافياً وحده ولا يبني جسوراً بين المركز والهامش، لكن هذا لا يمنع أن تشكّل هذه الفنون المجتمعية مواقع مهمّة لمقاومة هيمنة روايات محدودة ومحدّدة عن التجربة الإنسانية في مجتمع ما.
مؤخّراً، افتتح معرض "تدخُّلات مغايرة في تجمّع أبو النوار" في "مؤسسة عبد المحسن القطان" في رام الله، ويتواصل حتى نهاية الشهر الجاري، ويأتي ضمن برنامج "الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعيّة"، وهو من تصميم وإشراف الفنان الفلسطيني رؤوف حاج يحيى، وبالتعاون مع "الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون" (SDC).
يضمّ المعرض نتاج ورشات عمل مع أطفال التجمُّع السكّاني أبو النوار، خُصّصت للفوتوغرافيا وصناعة الفيديو، وقد استغرقت أربعة أشهر، بحسب تصريح حاج يحيى لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أن المشروع ككل امتد إلى ثمانية أشهر، كما يلفت حاج يحيى إلى بعض الصعوبات التي واجهته أثناء العمل؛ من أبرزها أنّ المجتمع نفسه منغلق وكان من الصعوبة الدخول إليه من خلال الكاميرا.
ضمّ المعرض قرابة ثلاثين صورة، غير أنه لا يقتصر على الفوتوغرافيا، بل يشتمل على فيديو رسوم متحرّكة من إنتاج الأطفال أنفسهم مدته دقيقتان، وثمّة فيديو آخر عن علاقة هذا المشروع بالتجمّع البدوي أبو النوار.
حول مستوى الصور، يشرح حاج يحيى أنه "جرى تحسينه من خلال اللقاءات والعمل مع الأطفال، بحيث جرى تمكينهم تقنياً من إنتاج صور أفضل وأكثر نجاحاً. أمّا المحتوى فظل متروكاً كخيار للأطفال، وفي البداية كان للمضمون علاقة مباشرة بالمستوطنات المحيطة بالتجمّع البدوي، ثم بدأ الأطفال في التعبير عن حياتهم الشخصية والخاصة، في البيت والمدرسة والصحراء".
أنتج المشروع كتاباً بعنوان "الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية"، والذي يعتبره حاج يحيى من أهم ما أُنتج خلال أشهر العمل، وفيه مناقشة للمعايير والمضامين الأساسية المتعلّقة بالتدخّلات الفنية في المجتمعات المهمّشة، محتوياً نصوصاً بحثيّةً تفكّك ثلاثة مشاريع فنيّةٍ تحمل طابعاً تدخّلياً، نُفّذت جميعها داخل نطاق التجمّعات السكّانية البدوية في المساحة الممتدّة ما بين مدينتَي القدس وأريحا.