تعيد المراجع التاريخية نشأة الملحون في المغرب العربي إلى القرن الثالث عشر مع امتزاج فنون شعبية مثل العيطة بإيقاعاتها التي تؤدّى على آلة "الطعريجة" مع التراث الموسيقي الأندلسي، حيث استعار آلاته الوترية مثل "السويسي" و"الربابة" الوتريتين.
مهرجانات عديدة تنظّم في المدن المغربية، في محاولة لتقديم مقاربات جديدة حول تطوّره خلال القرون الماضية، ومنها "ملتقى سجلماسة لفن الملحون" الذي تنطلق فعاليات دورته الرابعة والعشرين بعد غدٍ الجمعة في الريصاني (400 كلم جنوب شرق الرباط)، وتتواصل لثلاثة أيام.
تهدف التظاهرة إلى "التعـريف بفن الملحون كموروث فني وأدبي متجذر في الثقافة المغربية، كما تعمل على توثيق هذا الفن والاحتفاء برواده وتشجيع الممارسين والشيوخ والحفظة، وتيسير تواصلهم مع الجمهور عامة وفئات الشباب خاصة" بحسب بيان المنظّمين.
"القيم الحضارية في فن الملحون" عنوان الندوة العلمية التي تقام عند العاشرة من صباح السبت المقبل، بمشاركة الباحث سالم عبد الصادق الذي يطرح في دراساته تساؤلاً حول الملحون إن كان يندرج في سياق الشعر الفصيح أو العامي، حيث يستدّل على أنه خليط بينهما وإن ذلك يشكّل ميزة له لكنه يقود إلى إشكالات في لغته بين المنشد والمتلقي.
يتتبّع عبد الصادق عدداً من نماذج القصائد التي يتناولها شعراء الملحون، سواء تلك التي تحوي مضامين دينية أو انتقادات سياسية أو تبحث في العلاقات الإنسانية، وكيف أنهم يشكّلون أدباً خاصاً خارج المدوّنة الرسمية بما يقدّمونه من رؤى وأفكار.
أما الباحث سعيد كريمي فسيستعرض في الندوة الأساليب البلاغية التي طوّرها فن الملحون ضمن سياقاته الطبيعية، واصفاً إياه بـ"ديوان المغاربة" الذي احتوى قصائد تعبّر عن العلاقات داخل المجتمع وكيفية تفاعل أفراده مع الظواهر والمستجدات على الدوام، إلى جانب كونه "اشتغال باللغة وعلى اللغة" بمستوياتها الصوتية والتركيبية والتداولية، مستشهداً بدراسات عدة لمحمد الفاسي وعباس الجراري وغيرهما.
يُفتتح الملتقى بورشة حول فن الملحون من تنظيم "أكاديمية المملكة المغربية"، ويكرّم كلاً من عبد العالي ابريكي ومصطفى سلامي بن عبد السلام، وفي اليوم التالي يقام حفل بمشاركة "جوق أحمد بن رقية"، و"جوق سيدي التهامي المدغري"، وتختتم الفعاليات بحفل لـ"جوق الأصالة"، و"جوق هواة فن الملحون"، و"جوق أحمد الغرابلي".