دريدا، فوكو، ألتوسير: الجواسيس يقرؤون الفلسفة

24 مارس 2017
(ألتويسر)
+ الخط -
"الجواسيس يقرؤون الفلسفة"، هكذا يبدأ المقال الذي نشرته أمس صحيفة "لوموند" الفرنسية حول اهتمام "وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية" منذ ثلاثة عقود، بثلاثة من كبار المفكرين الفرنسيين: جاك دريدا وميشال فوكو وألتوسير، بعد نشر مجموعة وثائق (أصبحت متاحة منذ 2011) تشير إلى متابعة جواسيس أميركان للحركة الفكرية في بلاد فولتير.

كان ذلك في سياقات العقد الأخير من الحرب الباردة، والتي كانت فرنسا بتجاذباتها السياسية إحدى ساحاتها العالمية، لا سيما على المستوى الثقافي.

أحد التقارير الاستخباراتية يعود إلى 1985 وفيه يرصد الجواسيس الأميركان في باريس التطوّر الفكري لتيار "البنيوية"، وقد سجّل بخصوصها أحدهم ملاحظة: "ارتداد مثقفي اليسار" وفيه يجري شرح ذلك التقارب الذي هيمن لعقود بين الفضاء الجامعي والتيارات اليسارية بتأثير من عدد من مفكري المرحلة جان بول سارتر، ومن بعده ألتويسر وبارت وفوكو، ثم يضيف التقرير أن من مظاهر هذا الارتداد الدعوة المنتشرة في الأوساط الثقافية الفرنسية بضرورة "مراجعة، وربما هجر، التقاليد الماركسية".

يأتي هذا التقرير ليؤكّد على فرضيات وضعها كثيرون من متابعي الحياة الثقافية الفرنسية بأن صعود موجة ما عُرف بـ "الفلاسفة الجدد"، على رأسهم أندريه غلومكسمان وبرنار هنري ليفي، كان بدفع خارجي، وليس تبلوراً طبيعياً لثقافة فلسفية جديدة.

يشير مقال "لوموند" إلى مفارقة أخرى، وهي أنه في نفس السنوات التي حاولت فيها أميركا وقْف تمدّد المفكرين الفرنسيين ذوي الميول اليسارية، كان فكر هؤلاء يتمدّد في أميركا ذاتها. ففي الثمانينيات كانت حفريات فوكو قد غزت مناهج البحث في العلوم الإنسانية في الجامعات الأميركية، ووجدت تفكيكية دريدا صدى ليس فقط في الفكر بل في العمارة أيضاً، وتحوّل جاك لاكان إلى الاسم الأبرز الذي يستند إليه تطوّر التحليل النفسي.

لقد فات التقارير الاستخباراتية أن تشير إلى أنه في الثمانينيات، لم يعد ثمة خطر في فرنسا من المدّ الفكري اليساري، بل الأصح القول إن أميركا المحافظة في فترة تولي ريغان الرئاسة كانت أولى بالتخوّف.

المساهمون