حقوق الفن وحقوق الحياة

17 نوفمبر 2017
إنجي أفلاطون/ مصر
+ الخط -
في قصته الطويلة "الفلاح الفصيح"، يكتب سليمان فياض عن لحظتين يزيد الزمن بينهما عن ثلاثة آلاف سنة، بينما تبدو حركة البشر، ومصائر الفلاح المصري بلا تغيير يذكر. بل إن من الممكن، استناداً إلى كلتا اللحظتين، أن نقول إن حال الفلاح قد تدهور من ناحية الحقوق.

ففيما سمح الفرعون القديم ـ في القصة القادمة من التراث المصري القديم ـ للفلاح المصري أن يكتب شكواه، وأن يسترسل في تدوين المظالم التي لحقت به، وأن يعيد إليه حقوقه؛ فإن الفلاح في اللحظة المعاصرة يشهد انتهاكاً صريحاً لحقوقه، وإهداراً لآدميته، واحتقاراً لوجوده في الأرض. ويساق إلى السجن حين يرفض أن يخضع، وأن يستسلم لأوامر السلطة ـ ضابط الشرطة ـ المتحالفة مع الملّاك والإقطاعيين.

وسوف يكتب الروائي يوسف القعيد رواية أخرى تحمل عنواناً مقارباً لعنوان قصة فياض هي "شكاوي المصري الفصيح". وربما كان القعيد من أكثر الروائيين الذين تابعوا الكتابة عما يتعرّض له الفلاح الفقير من اضطهاد وقهر على يد القادرين المتحالفين في السلطة والمجتمع.

وقد تكون الرواية المصرية أكثر الآداب العربية التي استقصت الحياة الريفية، وكتبت عن حياة الفلاح ومصاعب عيشه، منذ رواية "زينب" لمحمد حسين هيكل، إلى عبد الرحمن الشرقاوي في رواية "الأرض". وقد حوّلت الرواية إلى فيلم سينمائي أخرجه يوسف شاهين، وقام ببطولته محمود المليجي، ومن شاهد الفيلم يذكر لحظة الخاتمة حين سُحل الفلاح مشدوداً إلى سرج حصان. ولا ننسى بالطبع رواية "الحرام" ليوسف إدريس.

غير أن حال الشعر كان مختلفاً، وقد اختار بعض الشعراء العرب أن تكون القرية أو الريف عامة وسيلة خلاص لهم من أعباء المدينة ومشاكلها، وصارت القرية ملاذاً للشاعر الذي أقلقته الحياة المعاصرة بما فيها من وسائل القهر.

وفي هذا السياق بُعث الفلاح على أنه يمثل الخصوبة والحياة، وكان بعض الشعراء مستعدين للتضحية بالحقيقة الحياتية، في سبيل الترميز الشعري. وكتب محمود حسن إسماعيل ديواناً كاملا سماه "أغاني الكوخ"، يمتدح فيه حياة الفلاح.

أما بيرم التونسي فإنه يترنم بلوحة لا بواقع أرضي ملموس في القصيدة التي كتبها عن الفلاح. والقصيدة لا تمتدح حياة الفلاحين وحسب، بل ترى أنها الحياة التي ينبغي على الجميع أن يسعوا إليها. والطريف أن الشاعر يلوم أعيان الريف على جهلهم به، وبجمال حياة الفلاحين الذين لا تساوي الدنيا لديهم قرشين.

والمؤكد أن أي فلاح في مصر، أو في سورية، سوف يدهش من أن يكون الشاعر قد كتب يقول: "محلاها عيشة الفلاح/ مطمن قلبه ومرتاح". فمحتوى الأغنية لا يتطابق البتة مع واقع الفلاح العربي.

لكن الحقيقة هي أن اللحن الذي منحها إياه محمد عبد الوهاب جعلها محبوبة. وقد غنتها أسمهان، ثم أعاد غناءها بنفسه. ولا تزال تُسمع حتى اليوم.. وقد يكون ممكناً لنا أن نقول أن بوسع الفن الجميل أن يغني لحياة متخيلة ومشتهاة، حين تضيع الحقوق في الحياة المعيشة.

المساهمون