ليست ازدواجية معايير

19 سبتمبر 2016
محمد المفتي/ سورية
+ الخط -
لستُ مغرماً بمصطلح "ازدواجية المعايير" وثقافته، كوصف لسلوك الغرب الرسمي في بلادنا وغيرها، لأن مصطلحاً كهذا يحمل تبرئة للغرب من وصمة العنصرية، وهو التوصيف الوحيد الذي يفسّر سلوكه مع "الآخر": الآسيوي والأفريقي والأميركي الجنوبي.. إلخ.

يفترض مصطلح "ازدواجية المعايير" أن الغرب الرسمي سويٌّ، ويستند في سلوكه إلى منظومة قيم إنسانية، وله رصيد أخلاقي في التعامل مع "الآخر" غير الغربي، إلا أنه يجانبه الصواب أحياناً في مسألة معيّنة هنا وهناك. هذا، بالطبع، ليس صحيحاً، لأن الموقف العنصري من الآخر يقتضي "شيطنته" و"تجريمه"، و"جعله مجرماً" كي يصبح مباحاً التعامل معه بأي أسلوب أو وسيلة، بما فيها الإفناء المادّي والاستحواذ على كل ما يملك. وإذا نظرنا إلى الأمور من زاوية محدّدة، سيظهر لنا أن الغرب مارس هذا الأسلوب على امتداد القرون الخمسة الأخيرة، هذا إذا لم نعد إلى ما قبل ذلك من أساليب مماثلة.

لا بد من التعامل مع الموقف الغربي الرسمي على أنه عنصري ولا شيء سوى ذلك. على سبيل المثال، لا يُعقل أن يأتي الغرب كله، عشية توقّف الفصل العسكري من سِفر الإبادة في غزّة، ليحاصرالقطاع ويجعل من إدخال الأسلحة ومواد البناء والغذاء إليه أمراً تهون دونه عظائم الأمور. موقف كهذا لا يمكن وصفه بمعايير مزدوجة، بل هو موقف عنصري بامتياز. في كل تفصيل، مهما كان بسيطاً وصغيراً، تقرأ الحس العنصري لدى الغرب الرسمي.

أخطر ما في الأمر أن العنصرية جزء من الوعي العفوي أو اللاوعي عند النخب المالية المهيمنة وشركاتها في الغرب. لذلك لا تحتاج مؤسّساته "الثقافية" لأي جهد كي تنتقي مفردات أو مصطلحات؛ كل هذا جاهز ولا يحتاج إلى عناء.

من المقاربات "الخبيثة" الغربية استخدام تعبير، غالباً ما يكرّره الناطقون الرسميون: "لننظر إلى المستقبل ولننس الماضي". هذه المقاربة تطلب منك الموافقة على كل ما قاموا به والإقرار بكل الظلم الذي وقع عليك نتيجة سياساتهم. وقبل فترة قصيرة، استوقفني هذا التعبير ووجدت أنه سبق لي أن نظرت إلى المستقبل في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وكانت النتيجة أنهم نظروا إلى الماضي فقط، وأرسلوا لنا فرنجة قرونهم الوسطى، ريتشارد وبرباروسا وجودفري، بأقنعة بلير وساركوزي وبوش.

ثم قلت في نفسي: ألم ينظر والدي وجدّي إلى المستقبل؟ هل كانا بلا عيون؟ أم لم يكن لديهما طموح؟ حقيقة الأمر أن جدّي نظر إلى الأمام، فأتى الجنرال الإنكليزي اللنبي ليحتل بلاده، ويقول له إن الحروب الصليبية انتهت بسقوط "أورشليم" تحت الهيمنة الغربية وعودتها لهم! الجنرال اللنبي أكمل ما فشل كولومبوس في تحقيقه. ونظر والدي إلى المستقبل، فسرقوا وطنه، وألقوا به وبأهله وجيرانه وشعبه إلى العراء والتهجير، وشاهد جيوش البرابرة التوراتيين تلتهم مدنه وقراه وأرضه وتصطنع لها "دولة".

وكما قلتُ، نظرت أنا إلى المستقبل، وها أنا أرى في كل عقد حرباً غربية على بلدان الوطن العربي. لا أريد أن أتخيّل ما الذي سيراه أطفالي إذا ما نظروا إلى المستقبل.

أترك الإجابة لصاحب خيال أدبي خصب.


دلالات
المساهمون