تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته.
■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟
- إن كان ثمة من قارئ فهو مجهول لديّ. تريحني تماماً هذه المنطقة المعتمة التي تخفيه عنّي. وكلما كانت أشدّ عتمة وغموضاً كان الأمر لائقاً. أنا أكتفي بالتعبير عن نفسي من خلال الشعر. هذه كفايتي المُثلى. أعتقدُ أنّك حين تخرجُ عن هذا الشرط لا تعود نفسك، وقد تضيع، إذ عليك أن تكون ضمن ذائقة قارئك، أو تكون من البداية شبيهه وظلّه بلا مشقّة. بوسعك عندها أن تمتلك قرّاء من هذه النوعية أو تلك، وتكون سعيداً بها. وهي سعادة باهتة، مُضلّلة، لا تصل لذة التعبير عن فردانيتك التي لا تشترط سوى الفنّ، الجدّة والأصالة. بالقطع لست شاعراً مقروءاً، وهذا أمر لا يُحرجني بل يمدّني بالثقة. دائرة واسعة من القرّاء هي منطقة محتشدة بالارتياب بالنسبة إليّ، تنتعش فيها القصيدة التي هي أقرب إلى المشاجب وأبعد عن الشِّعر. بخلاف الشِّعر الحقيقي المقطّر بصفاء، الشعر الخالص الذي لا أزال أعتقد أنّه مسكن القلّة.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر؟ هل لديك ناشر؟ وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟
- ليس لديّ ناشر. يعرفُ أصدقائي أنّ لديّ كتباً شعرية لم تطبع بعدُ. أنا بعيد ومنزوٍ. والناشرون القلائل الذين حاولت التعامل معهم جعلوا مزاجي سيئاً. أبلع لساني حتى لا أشتم بعضهم، حين أدرك جيّداً معنى أن يكون المرء شاعراً في عزلة الذئب.
■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟
- نشرت في جرائد ومواقع مهمة. مهمة بمعنى جودة ما ينشر فيها. عليك أن تنشر في مواقع وجرائد تفهم الشّعر وتقدّره. بدأت النشر أخيراً في "العربي الجديد"، لأني أستمتع بما أقرأه هنا. هناك مواقع شعرية ناصعة في نصاعة بياض الورقة التي نكتب عليها، ونصاعة القلب. عليك أن تنشر حيث النقاء والصفاء. والنشر عندي مساهمة في تلمّس وتوسيع مساحة ممكنة تمنحنا حظوة أن نسمع الصمت، حيث الشعر الجيّد.
■ هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي؟ وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟
- نعم، أحياناً.. شذرات وبعض الشِّعر. انطباعات سريعة كالومضة. مع ذلك علاقتي بالفيسبوك مزاجية.. بسبب كم من العبث الذي يطفح به وبسبب ضيق الوقت. لكني أعتبره نافذة على الآخر. هذا شيء إيجابيٌّ بالطبع. السلبي هو تناسل نصوص الشعراء من بعضها إلى حدٍّ مزعج. قصائد أو كتابات هي نسخ لقصائد أو كتابات أخرى. دائرة مفرغة، بلا أكسجين، مُميتة للشِّعر ولا شك.
■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟
- الشعراء! ليس قارئ الشعر العربي فقط، بل حتى العالمي لا يقرأه من العرب سوى الشعراء. مترجماً أو في لغته.
■ هل توافق أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟
- نعم، لأن الشعر العربي الآن لا يقدّم في أغلبه اقتراحات تمليها رهافة النظرة الشعرية الصافية إلى الحياة والوجود. يرجع هذا القصور إلى سبب ثقيل هو إرث الماضي وما نعيشه في حياتنا من تشويش وحروب وتخلّف وعدم وضوح الرؤية وضياع الأحلام. لذلك يتم الإقبال على الشعر المترجم أكثر، لأنّه شعر هادئ وواثق من نفسه. في حين أن شعرنا لا يزال عاطفياً وخطابياً بل مُملاًّ في الأغلب الأعم، حتى لو لبس شكلًا حرّاً. متردّداً وخائفاً لا يزال. مائدته فقيرة، ومعتادة بشكل حزين. هناك استثناءات ضئيلة جدّاً، مُلهمة. تكاد تختفي بسبب كلّ هذا الحشد من الأصوات التي تشبه الزوبعة.
■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟
- المزايا تكمن في التحولات التي عرفها. بدأ الشعر العربي مُعرّفاً بشكل مطمئن على أنه قول موزون، وانتهى مجهول التعريف على نحو قلق. إنّها خطوة كبيرة جدّاً. أما نقطة ضعفه فهي عدم قدرته حتى الآن على أن يخرج عن كونه منتوج ثقافة سائدة. لا بدّ من انتظار شعراء أقوياء، فردانيين، يُشكِّلون مصفاةً للغة ورمزاً داخل الشعر نفسه. هذه إن شئتم نقطة الضعف الأساسية.
■ شاعر عربي تعتقد أن من المهم استعادته الآن؟
- الأفضل أن نستعيد شاعراً من المستقبل. لا وجود له الآن.
■ ما الذي تتمناه للشعر العربي؟
- أن يقلب الطاولة حتى على نفسه، أن يتحرّر. أن يكون عدوّاً للثقافة السائدة. أن يعيد تعريف الأشياء من جديد وفق وعي شعري ووجودي خاص. أن يتضمن أسئلة أكثر وأكبر توسّع أفقه الذي بدأ يضيق.
بطاقة
شاعر مغربي، من مواليد الرباط عام 1976، ويقيم حالياً في مدينة الناظور (شمال شرق المغرب). صدرت له حتى الآن مجموعتان شعريتان، هما: "مرايا الريش الخفيف" (2008)، و"انتباه المارّة" (2017). ينشر نصوصه الشعرية في مواقع وصحف عربية، كما ساهم في نشرة شعرية صدرت في المغرب بين 2003 و2005 بعنوان "hors sujet" وضمت مجموعة من الأصوات الشعرية الشابة في وقتها.