وقفة مع صفاء فتحي

26 أكتوبر 2017
(صفاء فتحي)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. هذه وقفة مع الشاعرة والمخرجة المصرية صقاء فتحي.

■ ما الذي يشغلكِ هذه الأيام؟
- التحضير لسفر طويل أودّ فيه إنهاء كتاب بدأته العام الماضي. هو نص سردي أتمنى إنجازه قبل حلول الربيع. ثم الوضع في مصر، والوضع السياسي في إسبانيا وهل ستنفصل مقاطعة كتالونيا عنها وبأي كيفية. تشغلني أيضاً حتمية التغيير الممنهج الهيكلي لعلاقة العمل برأس المال. ثمّ الذكرى المئوية لـالثورة الروسية، وإرثها الذي لا نتعامل معه إلا كذكرى قديمة تاهت عنّا. كما أني مشغولة بإعداد عدد من النصوص للطبع، وتحرير مجموعة شعرية تحتوي على قصائد جديدة أجرب فيها كتابة مختلفة عما كتبت من قبل.


■ ما هو آخر عمل صدر لكِ وما هو عملكِ القادم؟
- آخر عمل صدر لي هذا العام هو ترجمة فرنسية لمجموعة شعرية صدرت في 2014 عن "دار شرقيات" بعنوان "ثورة وحائط نعبره". عملي القادم هو النص النثري السردي الذي أكتبه حالياً، بجانب ترجمات عديدة قادمة ينبغي مراجعة بروفاتها.


■ هل أنت راضية عن إنتاجكِ ولماذا؟
- لا لست راضية. أو راضية عن عدم الرضا أو لست راضية في الرضا. لا أزال أشعر بأن تجربة الكتابة هي حالة حركة، نحو مكان قد يكون مكاناً مضى أو مكاناً قادماً. هي تجربة لا تتطابق مع نفسها بل تفارقها. في اللحظة التي يخرج فيها كتاب للنور، أشعر بأن عليّ أن أعود على أعقابي وأبدأ من جديد، من مكان لا أعرفه أو من مكان أبحث عنه، كأن السعي هو منطلق الكتابة وهو تقريباً منتهاها. كنت كثيراً ما أسلك طرقاً مسدودة، وأعود بخيبات كثيرة عندما أصل إلى الحائط الذي أنتهي برؤيته وأنا فقط وجهاً لوجه معه، ولكن أبداً ليس قبل استنزاف الزمن والطاقة. كانت طرقي مبهمة ومساراتي معوقة في كثير من الأحيان، خيباتي أيضاً متعددة، على الرغم من ذلك كان هناك نجم قطبي بعيد يلمع أحياناً، ويخفت كثيراً، أهتدي به نحو طريقي. فالتوهان هو ما كان يحرس اتجاه مساري. أنتبه لذلك الآن فقط وأحاول مخلصة ألا أحيد عن مساري الذي حلمت به.


■ لو قيّض لكِ البدء من جديد، أيّ مسار كنت ستختارين؟
- كنت سأختار المسار نفسه، لكن بتركيز أكثر على الكتابة والإقلال من النشاط السياسي. العمل السياسي والهم السياسي استحوذا على ساعات كثيرة من حياتي أكثر مما يجب، فقدت عشر سنوات على الأقل من حياتي في الهراء. كما أنني كنت سأتجنب بعض العلاقات، كنت أود أن أكون أكثر قسوة وأكثر حسماً وإنصاتاً لحدسي البديهي في ما يخص البشر والأمكنة. كنت أتمنى لو أنني ذهبت إلى محاضرات جاك دريدا عند وصولي إلى باريس، كنت أتمنى لقاء دولوز، كنت أتمنى لو كنت أكثر محافظة وأكثر وضوحاً فيما يخص غايتي ومساري.


■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
- أتمنى، وهناك الكثير مثلي، أن ندرك أننا على حافة الهاوية، وأن الجنس البشري قد يواجه في مستقبل ليس ببعيد إمكانية فنائه. أتمنى أن تكون هناك حركة قوية لتغيير المسار الكارثي لرأس المال العالمي، للحد من توغل العالم الافتراضي إلى أدق تفاصيل الحياة. أتمنى أن يصبح الكتاب والكتابة، الأدب والفلسفة، في مركز المرجعيات البشرية، أن يكون الشعر في صدارة الإحالات والمرجعيات، أن نسمع صوت الشعراء كما نستمع إلى الأغاني، أن يلجأ الجميع للفنون والفلسفة والعلوم لكي لا تكون حكراً على مجموعة من الناس، أن يسود السلام بين البشر، أن يتقلص دور المال إلى أقصى درجة، أن يحل التبادل والمشاركة محل التنافس والتناحر. في النهاية أن يعيش البشر في سلام، أن يكون العدل هو أساس الملك في كل مكان، أن نكتشف سبلاً لتسوية النزاعات والصراعات غير الحروب والمجازر، غير آليات الهيمنة والاستبداد، القمع والظلم.


■ شخصية من الماضي تودّين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- لا أدري ماذا معنى شخصية من الماضي، أمن الأحياء أم من الأموات؟ إن كان الأمر يخص الأحياء أو أتمنى أن يكون الحال كذلك، أتمنى لقاء صديقتي عزة النعمان من "كفر الشيخ"، التي عرفتها في أثناء إقامتنا لمدة سنة هناك، في بداية دراستي الثانوية، والتي لم أرها بعد ذلك قط. من الأموات جاك دريدا وأخي محمد. أكتب اسميهما بحسب تاريخ وفاتهما، فيما عدا ذلك ما مضى قد مضى، فكل شيء كثيراً ما ينتهي بانتهائه.


■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعودين إليه دائماً؟
- من يخطر على بالي دائماً هو جاك دريدا، الصديق والأستاذ الذي ليس له شبيه في حياتي الماضية أو الحاضرة، وربما القادمة. دائماً ما أتساءل مع كل وضع عالمي جديد، مع كل أزمة دولية، مع أزمة اللاجئين تحديداً، ماذا كان سيقول، ماذا كان سيفعل، دائماً ما أتذكر كتابه "أطياف ماركس"، والفصل الخاص بالجروح العشرة المتسببة حالياً وفي المستقبل في كوارث العالم الكبرى، وأحياناً أقول هل رصد كل هذه الجروح، هل استبق ما يحدث في هذا المجال أو ذاك، هل قام بدوره الفكري كما كان يودّ، هل تاه هو أيضاً في طرق مسدودة. أما الكتاب الذي أعود إليه دائماً، فهو "المواقف والمخاطبات" للنفري، ومختارات من شعر بول تسيلان في طبعة إنكليزية ألمانية.


■ ماذا تقرئين الآن؟
- الآن أقرأ عدداً من الكتب في وقت واحد: قصائد للوركا، أعيد قراءة حنة آرندت في "أسس الشمولية"، كتاب "اللاطمأنينة" لبيسوا، لقاء مع دريدا عن الصداقة والسياسة، بخصوص الوضع الفلسفي السياسي في فرنسا في الخمسينيات والستينيات، و"الكتاب الأحمر" ليونغ.


■ ماذا تسمعين الآن، وهل تقترحين علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- أسمع دائماً الموسيقى الكلاسيكية وموسيقى الجاز، نادراً ما أستمع للموسيقى العربية، ونادراً ما أستمع للأغاني، لكن لو عليّ أن أقترح تجربة موسيقية للمشاركة، فهناك أغنية توم ويتس "بريئة وأنت تحلمين"، وهناك أغاني مالر بصوت كاتلين فيريه.

بطاقة: شاعرة ومخرجة أفلام وثائقية مصرية، وُلدت في المنيا بصعيد مصر عام 1958. قدّمت عدة أفلام من بينها "دريدا في مكان آخر" (2000)، وربما يكون فيلم "محمد ينجو من الماء" (2013) أحد أبرز الأعمال الوثائقية التي قدمتها فتحي، إذ تتبع فيه تجربة أخيها محمد مع مرض القصور الكلوي الذي أصيب به بسبب تلوث مياه النيل، والصعوبات التي يواجهها مرضى الكلى في مصر. كما صدر لها عدة مجموعات شعرية من بينها "الحشيش" (2007) وهو كتاب شعري مع فيلم بعنوان "الوادي الخفي"، و"حيث لم يولد" (2002) و"الدمى الخشبية الصغيرة" (1998)، كما وضعت كتاباً مع الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا بعنوان "تحويل الكلمات" (2000).

دلالات
المساهمون