"حقوق الأجيال المقبلة": طريق غير آمنة نحو المستقبل

26 نوفمبر 2018
لاريسا صنصور/ فلسطين
+ الخط -

بدأت التنظيرات الأولى حول مفهوم العدالة الاجتماعية تتبلور لدى عدد من الفلاسفة الأوروبيين منذ القرن السابع عشر مع تومس هوبز وجون لوك، ثم مع جان جاك روسو وإيمانويل كانط في القرن الذي يليه، لتنتقل بعد ذلك إلى حقول معرفية أخرى مثل الاقتصاد والعلوم السياسية وعلم الاجتماع.

اختبار هذا المفهوم في الواقع بدا أمراً عسيراً ومعقداً، خصوصاً أنه قد جرى إجهاض العديد من الحركات الاحتجاجية التي دعت إلى التغيير من دون أن تلمس المجتمعات نتائج مقترحاتها، ومن ذلك تنظيرات عدة حول حرية التجمع والتظاهر والتعبير والمساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان.

ورغم كلّ ما أُقرّ خلال القرنين الماضيين من حريات وحقوق، إلا أن هناك نضالاً من أجل الحصول على المزيد منها، وتفاوتاً في حجم ما تَحقّق بين بلد وآخر وداخل كلّ بلد أيضاً.

في كتاب "حقوق الأجيال المقبلة بالإشارة إلى الأوضاع العربية" الصادر مؤخّراً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، ينطلق الباحث المغربي الحسين شكراني من تحديد مفهوم الأجيال المقبلة وارتباطه بالعلوم الاجتماعية، ويتناول العدالة داخل الجيل نفسه، والعدالة بين الأجيال.

مع إثارة التساؤلات حول إمكانية حصول الأجيال المقبلة في معظم بلدان العالم على ذات الرعاية الصحية والتعليمية والتنمية أو التمتع ببيئة جيدة، تتزايد انشغالات الباحثين بالمستقبل، وهو بعد كان شبه غائب منذ عقود قليلة.

تتأتّى أهمية الكتاب من ندرة مثل هذه الدراسات في العالم العربي، بالنظر إلى شحّ المعلومات الذي يجعل من الصعب على الباحثين الوصول إلى مؤشرات دقيقة حول اللامساواة، كما أن التباينات في توزيع الثروة تُظهر فجوة كبيرة آخذة في الاتساع، سواءً على مستوى الدخل بين البلدان العربية الغنية والفقيرة، أو غياب العدالة في الخدمات داخل البلد نفسه.

يقف العمل عند إشكالية العدالة البيئية والأمن الإنساني في ظلّ وجود عالم ممزّق بين شمال (مصنّع) لا يؤمن إلا بالنماء الاقتصادي والتنافسية الشرسة وآليات السوق والخصخصة؛ وجنوب (نامٍ) يرتبط مصيرُه ببقاء العنصر البشري ذاته، لذلك يسعى إلى التحرّر من التبعية بكل أشكالها.

يدرس شكراني أيضاً منظورات الأخلاق والقانون والاقتصاد، وصولاً إلى المقاربات الدينية للأجيال المقبلة (خصوصاً الإسلام)، ورؤى المقاربات الوضعية (الاشتراكية والرأسمالية)، وآراء بعض المفكرين السياسيين (توماس هوبز) ومفكري اقتصاد التنمية (أمارتيا سِن)، ومنظور القانون الدولي، والجهد المبذول من الدول، ومنظور حقوق الإنسان للأجيال المقبلة.

يحاول المؤلف تحديد مفهوم الميراث المشترك للإنسانية، والصعوبات التي يثيرها في شأن الأجيال المقبلة، وبحث قضايا الدبلوماسية والديون والسياسات البيئية المستقبلية، إلى جانب دسترة حقوق الأجيال المقبلة في العالم العربي ودسترة التنمية المستدامة.

المساهمون