محمد الأشعري.. سرد العائدين من الأندلس

28 أكتوبر 2014
حي باب الحد في الرباط القديمة، 1919
+ الخط -

لا تغادر غواية مدينة الرباط الكاتب المغربي محمد الأشعري. فبعد حضورها المركزي في روايته "القوس والفراشة" (2010)، ها هو يطلّ من جديد برواية "علبة الأسماء" (المركز الثقافي العربي) التي تبحث عن زمن المدينة المفقود.

تدور أحداث الرواية في الرباط القديمة على وجه التحديد، وتتناول تجربة جيل السبعينيات من القرن الماضي. جيل عاش مفاصل زمنية مضطربة، صاخبة بالنضال من أجل الحرية والديمقراطية، ربما تكون قد ساهمت في ما وصل إليه العالم العربي حالياً، من توق للحرية ومشروعية في تحقيقها.

تحرّك أحداث الرواية شخصيات تعود أصولها إلى الأندلس، وعائلات عريقة عُرفت في الرباط وأثرّت في مناحي الحياة كلها. شخصياتٌ متنوعة مثّلت معظم شرائح المجتمع الرباطي، وتفاعلت فيما بينها في ثنائيات الخير والشر، النور والظلام.

ويبدو أن الأشعري قد استفاد بشكل كبير، في بناء روايته، من حياته الشخصية، التي مكنته من التعاطي عن كثب مع الأحداث الملتهبة التي يتناولها، هو الذي كان عضواً في "حزب الاتحاد الاشتراكي"، يساري التوّجه.

ثمة اهتمام فائق في رواية الأشعري بالمعمار الأندلسي في الرباط، وتفعيل لكل الخصوصيات الأندلسية، التي أتى بها المسلمون الخارجون من الأندلس (الموريسكيون) في رحلة إيابهم إلى الوطن الأم، من أطعمة وموسيقى وتأملات فلسفية وبكاء.

"علبة الأسماء" رواية عن خيبة أمل حضارية، موضوعها الأثير الصعود إلى القمة والهبوط إلى الحضيض، ومحاولة خداع النفس بأن هذا الحضيض ربما يكون قمة.

الأندلسيون الذين ثابروا وبنوا حضارتهم في إسبانيا، وانتهوا إلى الخروج من جنتهم، يتكرر الأمر معهم في الرباط التي بنوها وعمروها، ثم تلاشت الآن وتفتّت اجتماعياً وعمرانياً، ولم يتبق منها سوى ذكريات أو أغنيات أو أسماء معلّبة، رنينها عريق وفعلها أجوف.

الناقد شرف الدين ماجدولين قال لـ"العربي الجديد"، تعليقاً على الرواية، إنها "عن الرباط الأندلسية التي فُقدت عبر انقراض العائلات الأصلية التي حرست المدينة العتيقة لسنوات. تلك الأسماء الممتدة من شيمرات إلى بيدرو فمولاطو وفنجيرو وسكالانت وبركاش، ليست شخصيات روائية فحسب، ولكن أسماء بكل ما يتصل بمفهوم الاسم من سلطة؛ نحن نعيش بأسمائنا، ونكتشف العالم ونعيه عبر أسماء بذاتها، وحين تغيب يغيب معها وعينا القديم".

ويضيف ماجدولين، الذي يشارك مع نقاد آخرين في ندوة حول رواية الأشعري يوم 31 من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري في مدينة شفشاون (شمال المغرب): "في الرواية بؤرة مركزية، وهي الكنز المخفي في البيت القديم، في حي القصبة. هذا الكنز نُسجت حوله شبه حبكة بوليسية، تتابع ألغازه ومسارات اختفائه، لكن الكنز في النهاية لن يكون إلا تلك الأسماء العائلية، وما اتصل بها من قيم وأدبيات وموسيقى واختيار معيشي، بدأ بالتلاشي تدريجياً إلى ان اختفى من أفق الرباط، والمغرب المعاصر".

رواية الأشعري أثارت مع صدورها جدلاً حول تناصها مع رواية "كل الأسماء" للبرتغالي جوزيه ساراماغو. لكن، كما يبدو، لا يتعدّى التناص حدود العنوان.  فبينما تنهض رواية الكاتب المغربي على اندثار عائلات أندلسية، تقوم رواية ساراماغو على قصة رجل واحد، يعمل في أرشيف "السجل المدني"، ويتسلى بجمع أشهر 100 شخصية في المدينة، مستعيناً بالأرشيف، ولكنه حين يعثر على إضبارة امرأة مجهولة يهتم بها وينسى المشاهير الذي كان يبحث عنهم، فيبدأ بملاحقتها، ليكتشف أنها ميتة.

المساهمون