لا أحد يقول إنني بريء
(كُتبت هذه القصيدة على أثر مقتل 33 مثقفًا تركيًّا عام 1993، بعدما أشعل متشدّدون النار في "فندق ماديماك" بسبب غضبهم من مشاركة الكاتب التركي الساخر عزيز نيسين في مهرجان ثقافي نُظِّمَ فيه).
عندما ينتهي الجنون
ويتفرّق القطيع
ألن يستيقظوا في ليالي الوحدة
هادئين خُرساناً، ومسمّرين بالوسائد
على صوت الهارمونيكا التي يعزفها "عسّاف"* أمام النيران؟
شباب يافعون في غرفة فندق
يتخبّطون من أجل الحصول على جرعة من الهواء،
وهؤلاء الذين سكبوا عليهم البنزين
عندما ينحنون لتقبيل أولادهم يومًا ما
ألن تخنقهم رائحة الدخان والجثث المحروقة التي في شفاههم؟
الرجال الذين يرتدون الأسود
هؤلاء الذين يعبدون الموت
ربّاهم إلهٌ غير رحيم على الضغينة
ويومًا ما، عندما تهطل الأمطار
وتشتعل الشمس فوق الغصون المورقة
ألن يخجلوا من الرياح، ويخافوا من الماء؟
يومًا ما، سيقرع الفراق أبواب الجميع
عندما تسودّ الجبال أو في بداية اليوم.
وهؤلاء الذين يكسرون الساز ويحرقون الأشعار
يومًا ما، إذا أرادوا أن يُزيلوا الهمّ الذي يجول في صدورهم
بأغنية عميقة وهادئة
ألن يضربوا أجسادهم القذرة في الجدران؟
لا أحد يقول إنني بريء، لا أحد
بلدٌ كاملٌ حَمَلَ الحطب إلى حريق "بهجت"**…
هؤلاء تعفّنت سجداتهم، وصار الخوف قِبْلَتَهم
إذا تموّج الموت يومًا في أجسادهم
ألن يتصاعد من أجفانهم: "رجل ناصع الدخان"؟
* رسام الكاريكاتير عساف كوتشاك (1958 - 1993)، و**الشاعر بهجت أيصان (1949 - 1993)، وهما من ضحايا مجزرة سيفاس. (المترجمان)
■ ■ ■
في غرف الصفير
لأنني تركتُك وحدكِ
أذهب راكضًا إلى البيت،
حتى وأنا قادمٌ من قبركِ
في غرف الصفير
أتحدّث أتحدّث أتحدّث.
جئتُ من بعيد، وفي فمي ندى الصباح
وأنتِ تسحبين فمكِ وتقولين: "لا تكن كالطفل".
ثم أرفع رأسي، ليس إلى النافذة
وإذا بأطفالٍ ميّتين مثل صفوف الأهداب.
هل يخجل الإنسان من وجعه؟
أتسمّم بالأعمار التي أذرفها.
قلتِ: لقد تجاوزنا كلّ هذا،
ولكن كيف سيعيش هؤلاء الأطفال في هذا البلد
وجميعهم في رحم الموت؟
نحن في أنطاكية، نحبّ قلوبنا في قرية "وَقِفْلِي"
وهل يخطر الموت على بال أحدٍ، ونحن في هذا الجمال؟
هيّا نذهب إلى شاطئ البحر
ليُنَيّم خوفَنَا قليلًا على صدره الأزرق.
أنا وحيدٌ أمام صوركِ؛
وحدةً أخذتِها معكِ
والأخرى تركتِها وذهبتِ.
■ ■ ■
التفكير في الأشياء الجيّدة
الجوع يصفّق لإلهِهِ
وهكذا يفعل الخوفُ
والموتُ أيضًا…
والإنسان ضائع في الرداءة.
في قلوبنا زحام خانق
وفي عقولنا وجع الكلمات اليائسة
في الخارج شارعٌ واحدٌ بقدر ما نرى
صورة واحدة باردةٌ وحزينة
وكل الأشياء البعيدة أثقلت صدورنا.
نحاول الحفاظ على الأمل
بإمساك الفراغ الذي بداخلنا
لا يمكن للعالم أن يكون جميلًا بدون أحلامنا
وبدون أغانينا، لا يمكن للإنسان أن يعرف الحب
ولا يمكن لله أن يعفو عن أحد، بدون رحمتنا
وبدون أن تضحك شفاهُنا، لا يمكن لأطفالنا أن يتفتحّوا كالأزهار.
في منتصف الانحلال
نتشبّث بحيائِنا
ونحاول أن نعيش
ونحن نفكّر في الأشياء الجيّدة.
* Şükrü Erbaş شاعر تركي من مواليد مدينة يوزغات سنة 1953. درس العلوم الاجتماعية في معهد غازي بأنقرة، ويعمل في هيئة تحرير مجلّة "غدا" منذ عام 1984. من إصداراته الشعرية: "أوجاع صغيرة" (1984)، و"سفر" (1986)، و"تغيُّر بلا هوية" (1992)، و"نعيش في صمت" (2016)، كما كتب العديد من المقالات عن الشعر والأدب وجُمعت في كتاب "يوم واحد قبل الموت" (1999).
** ترجمة عن التركية: أحمد زكريا وملاك دينيز أوزدمير