بشير السباعي.. شهادات عن الصحبة والترجمة

29 يونيو 2019
بشير السباعي
+ الخط -

ترك المترجم والكاتب المصري بشير السباعي، الذي رحل عن عالمنا في نيسان/ أبريل الماضي، سبعين كتاباً مترجماً، بعضها من الروسية والإنكليزية والفرنسية، في مجالات التاريخ وعلم الاجتماع والفلسفة والسياسة والفنون.

كان السباعي يعتبر المترجم ممثلاً مسرحياً يؤدي دور هاملت، إذا أحب الناس هاملت من خلاله فقد نجح، وإن أحبوه هو كممثل من خلال هاملت فقد أخفق، على المترجم في رأي الراحل أن يتوارى وأن يحل محله المؤلف فقط.

انهمك السباعي لعدة أعوام في ترجمة "مسألة فلسطين" للمؤرخ الفرنسي هنري لورنس، والتي صدرت في ستة أجزاء، وكان حريصاً على نقل كتابات المصريين بالفرنسية، ليفتح الطريق أمام وصول أعمال الفرنكفونية المصرية إلى القارئ العربي.

عن ذلك كتب مرة عن هاجسه إعادة إدراج الأدب الفرنكفوني المصري في تاريخ الأدب المصري الحديث، بعد أن كان المؤرخون والنقاد التقليديون قد استبعدوه، إما بسبب الجهل وإما نتيجة لتحيزات أيديولوجية شتى، وفق تعبيره.

كتب السباعي أيضاً الشعر، وفي إحدى قصائدة يقول: "كنتُ أبتسمُ/ إذ أرى الممرضة ذاهلةً/ من اللامبالاة المرتسمة على وجهي/ في وجه الخطر/ وكنتُ، ككل الأطفال، لا أخاف الموت" لكن تجربته الشعرية لم تكن واضحة المعالم أو غزيرة ويبدو أن الترجمة انتصرت على عمله الأدبي وأخذت جلّ وقته واهتمامه.

يقول المترجم والشاعر المصري أحمد شافعي، في حديث إلى "العربي الجديد": "على المستوى الإنساني البسيط، والذي لا يعني أحداً سواي، كان وجود بشير السباعي باعثاً على الطمأنينة. ولكنه كان كذلك أيضاً، وبدرجة أكبر، على المستوى الثقافي العام. شأن وجود محمد عناني وماهر شفيق فريد وغيرهما من كبار شيوخ صنعة الترجمة".

ويكمل: "أعرف بشير السباعي منذ 1999، أي عمري كله في الترجمة تقريباً، طوال تلك السنين استعنت به مرة او اثنتين فقط، لمساعدتي في أمر استعصى علي. ماهر شفيق فريد راجع لي كتاباً من أوائل كتبي وتعلمت في ثنايا ذلك الكثير، عناني تتلمذت على كتبه وإن لم أحتك به شخصياً لسوء حظي. لكن وجود هؤلاء مطمئن في ذاته. لا يهم بالضرورة أن نكون صبية متدربين في ورشهم، مع أننا نحسن كثيراً إلى أنفسنا وقرائنا إن فعلنا ذلك، لكن وجودهم في السوق، في حارة المترجمين، يضمن وجود مثال للعمل الأمثل يحتذي به من يشاء ويعرض عنه من يشاء".

ترك السباعي، وفقاً لشافعي، "مكتبة مليئة الأرفف يصعب الإحاطة بها، ومكتبة خاوية تقريباً تملؤني بالحسرة إذ أرى فيها دفاتر بيضاء كان يجب أن يملأها شعراً، وذكريات، وترجمات شعرية، وتأريخا للسرياليين المصريين. قاده دائماً في اختيار ترجماته حس وطني، وإيمان عقدي، وفضول معرفي عظيم، لا أملك إلا احترام كل ذلك".

يتابع صاحب "الخالق" ومترجم "وزارة السعادة القصوى" قائلاً "طبعاً لم أتعلم منه معاييره في الاختيار، لكني تعلمت منه حتمية أن يكون لي معيار في الاختيار. قلت له في بداية حياتي إنني أظن أنني سأقضي عمري كله أترجم لشعراء أميركا ذوي الأصول الأفريقية، فلم يستهن بحماسي، قال فقط إن الثقافة العربية بحاجة إلى ما هو أكثر. مضيت أترجم مقالات، مئات المقالات في مناح كثيرة، أفادتني أنا أول من أفادت، وأرجو أن يكون غيري قد انتفع بها، وترجمت كتباً وروايات".

يذكر الشاعر المصري: "في آخر لقاء لي به وفي آخر مكالمات بيني وبينه، كان يبدي رضاه عن كتابين بالذات من كتبي، أحدهما ديواني الأخير، والآخر ديوان "العالم لا ينتهي" لتشارلز سيميك. أي أن ما أرضاه عني في النهاية هو ما أخذه علي في البداية: الشعر. خسارتي برحيله شخصية، وثقافية، وكلتاهما فادحة، ومريرة، ولا تعوض".

تجربة السباعي متعددة الأوجه ومتشعبة الحقول كمترجم ومثقف وشاعر، من هنا، يستعيد "المجلس القومي للترجمة" في القاهرة سيرته هذه، فيجتمع بعض من أصدقائه من المترجمين والكتّاب في ندوة تحت عنوان "بشير السباعي.. مسيرة عطاء" عند السابعة من مساء الثلاثاء المقبل.

يشارك في الندوة كل من: جابر عصفور ومحمد بن عبدالله ومحمد النعمان وأنور مغيث ومحمد عفيفي وسارة السباعي، ويقدم كل منهم شهادة في الراحل تقوم على الصداقة والمعرفة الشخصية التي جمعتهم به إلى جانب شهادة في ترجماته وإضافته إلى المكتبة والثقافة العربية.

دلالات
المساهمون