بعضهم يموت أكثر من مرّة

01 سبتمبر 2018
(كوستا غافراس)
+ الخط -

في مساء وليلة يوم الخميس الماضي، تداولت وسائل إعلام عديدة خبر رحيل المخرج اليوناني كوستا غافراس (1933)، قبل أن يُفيق الجميع في اليوم الموالي على أكثر من نفي لهذا الخبر.

تعدّدت مثل هذه الحوادث في السنوات الأخيرة، مع انتشار استعمال مواقع التواصل الاجتماعي، وهذه المرة أيضاً كان لها دور أساسي في نقل المعلومة الخاطئة. توجد مفارقتان في هذه الحادثة، الأولى أن غافراس سبق وأن جرى تسريب إشاعة موته، والثانية أن مصدر الإشاعة كان الصحافي الإيطالي توماسّو دي بينيديتي، والذي سبق له أن أطلق إشاعات موت شخصيات أخرى؛ مثل الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشيف والكاتبة البريطانية ج. ك. رولنيغ.

بات دي بينيديتي شهيراً بسبب بهذا النوع من الإشاعات التي يُطلقها، حتى أن بعض المواقع أطلقت عليه تسمية "خبير في الكذب"، وهي تسمية لم تأت من فراغ، ولم تُمنح له فقط بسبب تكرّر إطلاق الإشاعات، بل لكونه صاحب قدرة على إقناع فئات واسعة بكذبة، ولعل طريقة تسريب إشاعة رحيل المخرج اليوناني تؤكّد ذلك، حيث لا يتعلّق الأمر فقط بكتابة خبر رحيل أحدهم على فيسبوك أو تويتر، بل ينبغي وضع خطّة مُحكمة.

هنا، أنشأ دي بينيديتي صفحة فيسبوكية لوزيرة الثقافة اليونانية الجديدة ميرسيني زوربا، وكتب فيها خبر الرحيل، ثمّ نقله على صفحته على تويتر، ومنها بدأت كرة الثلج في التدحرج. يُذكر أن الصحافي الإيطالي سبق له أن استعمل الخطة نفسها في إشاعة وفاة الكاتبة السلوفينية سفيتلانا أليكسيفتش في 2017، حيث اعتمد أيضاً صفحة مزوّرة لوزيرة الثقافة الفرنسية فرانسواز نيسان، وكانت هي الأخرى قد أخذت موقعها منذ فترة قصيرة.

سُئل دي بينيدتي سابقاً عن هذه "اللعبة الغريبة" التي يكرّرها، واعتبر أن ما يقوم به جزء من منطق نقدي تجاه وسائل التواصل الحديثة، حيث تثبت كل إشاعة أنه لا توجد حواجز لغربلة الصحيح من الخاطئ لدى الجمهور، ولدى الصحافيّين أيضاً.

هكذا تفتح هذه الحوادث على أكثر من سؤال، أوّلها ما أثاره دي بينيديتي عن مصداقية ما تنقله وسائل الإعلام، والتي يمكن أن تتورّط هي الأخرى في تصديق خبر ونقله لاحقاً رغم الحرص على عدم الوقوع في مثل هذه الأخطاء. وتفتح الحداثة أيضاً على أخلاقيات التواصل في المواقع الاجتماعية، فبغضّ النظر عن "المغالطة" التي يحتويها الخبر، فإن لهذا الأخير أكثر من ضحية، من الشخصية المعنية بخبر الوفاة، وما لهذه الإشاعات من وقع نفسيّ عليها وعلى أسرتها ومعارفها، وما يمكن أن يحدث من لبس في مثل هذه المواقف، دون أن ننسى الموقف المُحرج الذي توضع فيه الشخصيات التي جرى اختلاق هذه الأخبار على لسانها.

"لعبة" دي بينيديتي باتت متسارعة الإيقاع، يؤدّيها صحافيون كما يمكن لمراهقين عابثين أن يفعلوا ذلك، أو جهات رسمية ومخابراتية. وفي حياتنا الثقافية العربية، كم مرّة حدث نفس ما حدث لغافراس، والأمثلة قريبة للأذهان من نوال السعداوي إلى مظفّر النواب، ولا ننسى الكاتب السوري الراحل مؤخّراً حنا مينة.

دلالات
المساهمون