لطفي عاشور: أُبوة في 18 دقيقة

05 ابريل 2015
من "بو لولاد"
+ الخط -

لا تزال النظرة إلى الفيلم السينمائي القصير، عربياً، على أنه خطوة أولى نحو إنجاز شريط طويل، وتفترض فيه تجربة يتعرّف من خلالها المخرج على أدواته. وإذا نظرنا إلى الفيلم القصير على هذا النحو، يصعب تناوله كتجربة إبداعية وفنّية مكتملة بذاتها تستحق النقد والقراءة.

ومع ذلك، تمكّن بعض المشتغلين في الفيلم القصير من أن يفصحوا، من خلال أفلامهم القصيرة، عمّا ينافي الافتراض السابق. من هذه التجارب الأخيرة يحضر فيلم "بو لولاد" (2014، 18 د) للمخرج التونسي لطفي عاشور، والحاصل عنه على عدة جوائز، أهمها جائزتا الفيلم القصير في مهرجانَي "كليرمون فيران" الفرنسي و"أبو ظبي السينما".

تكمن أهمية شريط عاشور في موضوعه أولاً من حيث الدخول إلى عوالم المسكوت عنه اجتماعياً، ثم بقدرته على توليف عمله ليكون مادة بصرية تثير القلق والأسئلة لدى المتلقي. ضمن هذه الرؤية، اهتمّت كاميرا عاشور في اقتحام قضايا واقعٍ هي ليست غريبة عنه، وسمحت لنفسها بأن تقع في مصائده.

في شريط "بو لولاد" يحرص المخرج التونسي على أن تكون شخوصه متحرّرة من الأنماط والقوالب الجاهزة، فمحلية الحكاية لا تعني أبداً غياب الأسئلة وتعقيداتها في نفوس أبطالها. يقلّ سائق التاكسي هادي الجبالي (الممثل نعمان حمدة) امرأة غريبة على وشك الولادة إلى المستشفى. يُستدعى بعدها بأيام من قبل القاضي لأن المرأة ادّعت عليه بأنّه أب للطفل الوليد.

يجن جنون هادي بسبب أمر ليس له فيه ذنب. تتوالى الأحداث، وتكشف التحليلات الطبية كذب ادّعاء المرأة لأن سائق التاكسي غير قادر على الإنجاب أساساً. الحادثة السابقة ستضع الرجل أمام مأزق أكبر وأكثر تعقيداً: ما الذي سيفعله هادي مع زوجته وطفليه في المنزل؟

مأزق سائق التاكسي في الفيلم سيفتح باب الاحتمالات على مصراعيه، فتثار قضية الأبوّة وعلاقة الرجل بأبنائه، إذ إن كثيراً من الأعمال الأدبية والفنية عبر التاريخ ناقشت قضية الأم وعلاقتها بأطفالها، لكن عاشور هنا يقترح النظر إلى القضية نفسها من الطرف المقابل، أي عند الذكر هادي، والأب بالمعنى الواقعي لطفليه ولكن ليس بالمعنى البيولوجي. القضية المطروحة إنسانية، أزلية، لكن كيف سيتعامل معها سائق التاكسي التونسي؟

لا ينجرّ فيلم "بو لولاد" إلى الحلول الأولى، فما هو مطروح من عنف اجتماعي نمطيّ وتوصيفات جاهزة أقل ضراوة مما يعتمل في دواخل الشخصيات، التي وبخصوصيتها الشديدة قادرة على استثارة قضايا الواقع.

لا تتغير معاملة هادي مع طفليه، ويلجأ إلى الحيلة بغية دفع زوجته إلى الاعتراف، إلا أنّها لا تعترف. بعد المواجهة مع الزوجة في مطبخ المنزل، يذهب هادي إلى النوم بجانب طفليه، تاركاً زوجته تدخن على النافذة ونتيجة التحليل بيدها، وتاركاً في الوقت نفسه نهاية الحكاية لتُصنع في ذهن المتفرج.

المساهمون