حلمي النمنم: الوزير الذي لم يصبح صحافياً

27 نوفمبر 2016
(النمنم)
+ الخط -
إرباكات وأخطاء متتالية يتّسم بها واقع المؤسّسة الثقافية الرسمية في مصر في السنوات القليلة الماضية، وما أنتجه من تردّي في معظم مخرجات وزارة الثقافة من مهرجانات وملتقيات وبرامج نشر أثارت موجة انتقادات دائمة، ونشبت جرّاءها معارك بعضها حقيقي وبعضها الآخر هو مجرّد تصفيات حسابات ذات طابع شِللي وحسابات ضيقة.

بؤس الثقافة المصرية جزء لا ينفصل عن أزمة حكم واضطراب مجتمع نتيجة احتكار الثروات والقرار والمعلومة عقوداً من الزمن، وهي حتماً تحتاج نقاشاً أعمق، لكن يبدو أن أداء وزراء الثقافة الذين تعاقبوا بعد انتفاضة "يناير 2011" يستحقّ تركيز الضوء عليه، خاصةً أن معظمهم قد عمِل سنوات طويلة في الوزارةة وتسلّم مناصب إدارية عديدة، بدءاً من جابر عصفور ومروراً بعماد أبو غازي ومحمد صابر عرب وشاكر عبد الحميد وانتهاءً بحلمي النمنم.

الوزير الحالي يصرّ على أن يسبغ نفسه بلقب "الكاتب الصحفي" الذي يسبق اسمه عند إدلائه بتصريحاته وإصداره لقراراته، وهي لازمة تبعث على الاستهجان، فالنمنم لم يمارس الصحافة منذ نيله بكالوريوس الفلسفة عام 1982 باستثناء عمله محرراً في "دار الهلال" لعدد من إصداراتها قبل أن يصبح رئيس مجلس إدارتها وهو منصب يستدعي قرباً لدى السلطة ورضى منها، مع الإشارة إلى نشره بضعة تحقيقات صحافية في منشوراتها لا يُعتقد أن ذاكرة الصحافة تحفظ منها شيئاً.

ناهيك أن النمنم وصل إلى الحكومة عبر تدرّجه في مواقع إدارية، لا بوصفه محقّقاً في أرشيف الحركة الثقافية المصرية ورئيس تحرير مجلات تُعبّر عن المؤسسة ولا تحيد عن خطّها السياسي -إن توخينا الدقّة-، ومؤلّفاته ليست أكثر من طبخات يبرع في إعدادها محرّرون كثر يمتلكون خلفية ثقافية، فهي لا تحمل أصالة أو اجتراحاً أو قراءة جديدة سواء في "سيد قطب.. سيرة وتحوّلات"، أو "سيد قطب وثورة يوليو"، أو "حسن البنا الذي لا تعرفه"، بل يمكن القول إنه استند في كتابتها إلى السائد والرائج من انطباعات الوسط الثقافي وأهله.

يبدو أن صاحب "رسائل الشيخ علي يوسف وصفية السادات" لم يُفلح في تثبيت الاعتراف به مؤرّخاً وباحثاً فلجأ إلى الصفة التي يظنّ أنها لن تلقى اعتراضاً، بالنظر إلى أن للصحافة أبواب واسعة تظلّ دخلاء كثر بـ"رحمتها".

ورغم ذلك كان بالإمكان قبول النمنم "صحافياً"، وهو الذي ألّف كتاب "الحسبة وحرية التعبير" قبل توليه الوزارة بسنوات ثلاث، لو أنه دافع بحكم موقعه عن كتّاب وفنّانين وصحافييّن تعرّضوا للسجن والتضييق والإقصاء بسبب مواقف لهم من السلطتين السياسية والدينية، بدلاً من ذهابه إلى التنظير في أكثر من مقابلة حول حدود الحرية ومسؤولياتها مدافعاً عن انتهاكات النظام المتتالية.

ولا بأس من الالتفات إلى حماسة النمنم في مؤلفات سابقة وأحاديث عامة في انتقاد تدّخلات السعودية في السياسة المصرية، وهو الذي اهتمّ في جانب من كتبه بنقد الوهابية والسلفية، لكن ذلك كلّه لم يصمد حين أصبح وزيراً، وأثيرت قضية جزيرتي تيران وصنافير، حيث نظّم "المجلس الأعلى للثقافة" الذي يرأسه هو ندوة حولهما، قال في افتتاحه إن "كل الخرائط لدى الجمعية الجغرافية المصرية تقطع بتبعية تيران وصنافير إلى السعودية"، وإن وزارة الثقافة ستصدر كتاباً يوضّح حقيقة المسألة.

الوزير الذي عاجَل لإصدار كتاب يصادق على موقف السلطة تجاه قضية سيادية مخالفاً أبسط قناعاته الشخصية قبل الأكاديمية، وقع في تناقض ثانٍ وهو الذي ردّد طوال حياته مقولات تدين الصهيونية وفكرها الاستعماري، وأصدر كتابي "التاريخ المجهول: المفكّرون العرب والصهيونية وفلسطين"، و"طه حسين والصهيونية"، لم يستطع أن يمنع سفير الاحتلال من دخول "المسرح القومي" لحضور مسرحية "ليلة من ألف ليلة" الشهر الماضي، في سابقة هي الأولى من نوعها.

تناقضات النمنم لا حصر لها وإخفاقاته في تزايد، ويفقد كل يوم تقدير الأصدقاء قبل الخصوم، ولا نعلم إن كانت الصحافة المصرية ستُنعم عليه بلقب "الكاتب الصحافي" حين يغادر الوزارة عمّا قريب.

المساهمون