شيء من ذلك نجده في ندوة "تجارب نقدية"، التي أقيمت ضمن فعاليات "معرض الدار البيضاء للنشر والكتاب"، واستضافت كلاً من الباحثين الأردني هيثم سرحان، والمغربي خالد بلقاسم، فيما أدارها الباحث المغربي إبراهيم الحجري، ومثلت ما يشبه قراءة في واقع النقد العربي من منظور المشتغلين فيه.
انطلق النقاش من حديث للحجري حول "السؤال النقدي اليوم"، وفي إطار ذلك يعود سرحان إلى استقراء مشهده العربي بشكل عام. لتوصيف واقع النقد، يستعمل سرحان مفردة تراثية، "النقل"، حيث يرى أن الاتجاه الغالب هو الاتجاه النقلي بوجهيه: التراثي والغربي. يقول سرحان: "كثيراً ما يجري اختطاف نظرية من سياق، وإرغامها على الإجابة على أسئلة في سياق آخر".
من الأمثلة التي يضربها الباحث الأردني نموذج عبد القاهر الجرجاني، حيث يشير إلى أنه مرّة حُسب على البنيوية ومرة على الأسلوبية، وهكذا. هذه الإسقاطات، تحدث مع الناقد العربي نفسه، حيث ساد اعتقاد بأنه كلما اشتغل على نص ينبغي عليه أن يكون بارتياً أو باختينياً أو دريدياً، وما إلى ذلك". يعرّج سرحان هنا إلى وضع أوسع من مجال النقد، حيث أن طلبة الدراسات الأدبية يجدون أنفسهم اليوم في تيه وهم يبحثون عن تصنيف يضعون أنفسهم فيه.
من جهته، يعتبر خالد بلقاسم أنه ينبغي اليوم الانتقال "من النقد إلى القراءة" وهو ما يقتضي بحسبه "نسياناً فعالاً للمناهج"، ويقصد بذلك "امتلاكها ثم نسيانها". نفس الفكرة يعتمدها بلقاسم عند الحديث عن المدونة التراثية، حيث يرى أنه هو الآخر ينبغي "إعادة امتلاكه"، ويضرب هنا مثلاً بما قدّمه عبد الفتاح كيليطو وهو يعيد قراءة مقامات الهمذاني او الحريري، حتى أنه يمكن الحديث عن مقامات كيليطو، وهو فارق تصنعه القراءة ومن أمثلته في الثقافة الغربية أننا نقرأ نيتشه دولوز ونشعر أنه مختلف عن نيتشه الأصل.
يؤكّد بلقاسم هنا أن "التجارب القرائية، بهذا المعنى، لا تزال نادرة في ثقافتنا العربية" ويرجع ذلك إلى أن "الزخم في النظريات لم يكن لها سندٌ فكري"، وبالتالي فإن مدوّنة مثل أشعار المتنبي لا تزال تنادي بقراءات. يقول: "لا يزال نص المتنبي ينادي بقراءة في حجم قراءة هايدغر لهولدرلين".