على قاعة "المسرح الوطني" في بغداد، اختتمت أمس فعاليات مهرجان "محمد مهدي الجواهري الثقافي" في دورته الثانية عشرة التي حملت اسم "مظفر النواب"، وشارك فيها 200 شاعر وباحث من مختلف البلاد العربية. ومع انتهاء المهرجان يجدر طرح عدة أسئلة حول الثقافة في العراق من جهة، ومن جهة أخرى حول مكانة القصيدة العمودية اليوم.
في الافتتاح، وجد الأمين العام لـ "الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق"، إبراهيم الخياط، فرصة لمخاطبة الجهات الرسمية التي رعت حفل الافتتاح، دون أن تقدم أي دعم مادي له، ليتحدث عن البون بين تاريخ العراق الثقافي وبين ما يعيشه اليوم من إهمال رسمي في هذا المجال. وفي بلاد تنتظر على أحر من الجمر تكوين الحكومة وتعيش فراغاً دستورياً اليوم، شدد الخياط على ضرورة أن لا يكون وزير الثقافة الذي سيجري تعيينه في الفترة المقبلة "رقماً جديداً يضاف إلى قائمة وزراء الثقافة السابقين"، مؤكداً "نحن في اتحاد أدباء العراق نطالب ونطلب بقوة أن يكون لنا دورٌ وقولٌ في اختيار وزير الثقافة".
مطلب جريء من الخياط، فلم يحدث من قبل في أي بلد عربي -وغير عربي- ربما أن شارك المثقفون في اختيار وزيرهم، مثلما لم يشارك الاقتصاديون في اختيار وزير الاقتصاد، ولا التربويون في انتقاء وزير التعليم. كلنا نعرف الحسابات والمحاصصات التي تعرفها معظم أنظمة البلاد العربية عند اختيار الوزراء لوزارات بلا دور سياسي. ومن أعجب ما يحدث في بلادنا أن ليس لوزارة الثقافة أي شأن سياسي فعلاً، وغالباً ما تقتصر مهامها على دعم بعض الإصدارات وتشجيع بعض التظاهرات.
الحال في العراق له خصوصياته، فالبلد يعيش فترة ما بعد الحرب، وسنوات طويلة من العنف يُخشى ألا تكون قد انتهت بعد، لذلك فالثقافة لها دورها الجوهري اليوم، فهي القادرة على المشاركة الحقيقية في مداواة الجرح العراقي، وإعادة الهوية الوطنية إلى مكانها الأصيل والذي تنتمي إليه كافة الطوائف، والثقافة هي التي تؤسس لاحترام التعددية الثقافية وهي التي تظهر المشترك بين الناس، وتجعل المختلف مقبولاً بل ومرغوباً فيه، وتقف في وجه ثقافة التطرف والتعصب.
وبالعودة إلى المهرجان وأسئلته، فإن التظاهرة تحمل على كتفيها اسمين عملاقين في تاريخ الشعر العربي المعاصر؛ الجواهري والنواب، ما يثير التساؤل إن كانت القصيدة العمودية التي تكتب اليوم تقترب من بلاغة الجواهري وعمقه ورقته في آن؟
القصيدة العمودية اليوم، وهذا ليس سراً يخفى، واهنة وقد أصابتها الشيخوخة بكل أمراضها وعللها، ضعيفة في موضوعاتها وصورها وبنائها، وهي إن كانت موجودة فبحكم أن هناك قلة تكتبها وتجد من يقيم لها المهرجانات، ويدافع عنها متمسكاً بالشكل التقليدي للقصيدة.
ليس الأمر أن هناك موقف ضد الشكل العمودي، لكن لدى قراءة ما يكتب اليوم ضمن هذا الشكل يدرك أنه شكل لم يعد ينتج قصائد نعود إليها مثلما نعود إلى الجواهري.