سارج دوبروفسكي: رجل عابر تحوّل إلى وحش

29 مارس 2017
(1928 – 2017)
+ الخط -

في 1977، نشر الكاتب الفرنسي سارج دوبروفسكي (1928 – 2017) رواية بعنوان "ابن" كتب على غلافها "رواية تخييل ذاتي". كانت هذه الملاحظة سبب شهرة العمل ومؤلّفه أكثر من النص نفسه والشخصيات التي يقدّمها.

بعد سنوات كتب دوبروفسكي الذي رحل الخميس الماضي: "سيرة ذاتية؟ إنه شرف خاص بالشخصيات الكبيرة في هذا العالم. يكتبونها وهم في خرف العمر، بأسلوب منضّد وجاد". التنصّل من السيرة الذاتية فتح أمامه بوابة يسميها بتخيّل الأحداث ودمج سيناريوهات لم تقع في حكايات حقيقية مصحوبة بأسماء أشخاص من الحياة الواقعية.

كان رواية "ابن" تطبيقاً لهذه الأفكار، وفيها تحدّث عن والدته انطلاقاً من ملف أعدّه حولها محلّلها النفسي. وفي معظم أعماله الأخرى، سيظهر أبطال دوبروفكسي متشابهين (هو نفسه أحد أبطال رواياته)، إنهم في الغالب كتّاب، وليس ذلك فحسب، بل هم أيضاً مشغولون بإعداد سيرة ذاتية.

هذه اللعبة سرعان ما احتفى بها النقّاد والباحثون، واعتُبرت إحدى تمظهرات ما بعد الحداثة في السرد. غير أن نفس اللعبة انقلبت إلى عالم كابوسي، وتحوّلت فكرة "التخييل الذاتي" إلى إشكالية أخلاقية اخترقت الساحة الأدبية والفكرية لسنوات.

ففي 1989، نشر دوبروفسكي روايته "الكتاب المكسور". هذه المرة أراد أن يضيء تفاصيل حياته الزوجية. لم يكن الكاتب الفرنسي يتصوّر أن روايته ستؤدّي إلى انتحار زوجته، وهو ما اعتُبر مشهداً مأساوياً تسبّب فيه "التخييل الذاتي"، فالقارئ الذي يستسلم للرواية لا يعود يعرف المتخيّل من الواقعي، وتصبح المشاهد المطروحة في العمل أقرب إلى حقيقة في ذهنه.

بعد هذه الحادثة، مرّ الكاتب الفرنسي بانهيار عصبي، ولم يعد للنشر إلا في 1994، بعمل بعنوان "ما بعد أن نعيش" في استرجاع لكل ما حدث له مع محاولة الرد على ما وجّه له من تهم أهمّها "الكتابة من أجل القتل" وهو شعار رفعه أحد أقاربه، الصحافي مارك فاتسمان، والذي نشر كتاباً بعنوان "فوضى" يدين فيه كتابات دوبروفسكي.

لم تكن الساحة الأدبية تشاطر هذه الاستنكارات، فقد كان صاحب "الكتاب المكسور" من أكثر كتّاب جيله حصداً للجوائز الأدبية، ظلّت كبريات دور النشر الفرنسية تحتفي بأعماله وتتسابق على نشرها.

من "اليوم سين" (1963) إلى "رجل عابر"، آخر مؤلفاته (2011)، تكاد تكون الصورة ثابتة؛ كاتب منعزل في بيته الباريسي وفي شكله الروائي الذي اختاره لنفسه. لم تكن ثمة ظهورات لدوبروفسكي في الإعلام، فمحاولة شيطنته من قبل البعض قطعت عليه طرق الشهرة الموسّعة.

في 2014، صدر كتاب بعنوان "الوحش" بإمضاء دوبروفسكي غير أنه في الحقيقة ليس من تأليفه بالمعنى الدقيق، فهو عبارة عن نصوص متفرّقة من رواياته جمعتها الباحثة إيزابيل غريل، وكانت تحاول فيها تقديم "السيرة الذاتية" الحقيقية للكاتب الذي تمرّد على هذا الإطار.

المساهمون