الروائي في عهدة السوق

12 مايو 2017
(محمد حسن علوان مع أعضاء من لجنة ومنظمي البوكر)
+ الخط -

تنشر الصحف العربية صورة الروائية سحر خليفة، وهي تحمل الرواية الفائزة بجائزة "البوكر" هذا العام، في لقطة سعيدة مبتهجة. والحقيقة أن الصورة جميلة، ويمكن الحديث عن التفاصيل اللونية المختارة، وطبيعة اللقطة المدروسة بعناية فنية وإعلانية.

غير أن ما يهمنا هنا هو الإشعار الذي ترسله الصورة، إذ تشير إلى أن الإعلام العربي قد انتصر على الأدب العربي بضربات الترجيح. فمنذ أن بدأت حفلات الجوائز بدا أن تاريخ الرواية العربية ينقسم إلى فرعين، الأول: الفرع المنتصر المتسيّد في الصحافة حاليا هو رواية الجائزة (البوكر أولا)، والثاني: الفرع المتراجع المهزوم في ساحات الإعلام والدعاية والترويج هو الرواية خارج الجائزة.

واعتبارا من تاريخ ظهور الجائزة، تم حشر الروائيين بين الفئتين: فئة سعيدة تبتسم لكاميرات المصورين، وتظهر على خشبات المسارح، ومنصات تدريس فن الرواية. وفئة مغمورة (حتى لو كان من بينها أسماء روائيين معروفين ولهم تراث تراكمي في الرواية). لم يعد أحد يحفل بها أو يهتم لوجودها، وغالبا ما تذكر، إذا ما ذكرت، في احتفالات الكلام عن التراث، الشبيهة بحفلات التأبين، أو في ملاحظات من تبقى من القراء الذين لا تغريهم تسويات اللجان، أو تقارير الأعضاء الذين يشطبون الروايات بسبب أسماء أصحابها، أو ميولهم السياسية، بحسب الشائعات.

غير أنها مجرد شائعات مغرضة (حسب التقارير المقدمة من اللجان) تتكهن بالمؤامرة، وترغب في نقل الفشل والإبعاد الذي يطاول رواياتهم ـ التي لم تفز بين يدي خبراء الكتابة، أو الذين يصبحون خبراء رواية، ما إن يعينوا أعضاء في لجان التحكيم ـ من مستواه الأدبي والنقدي، إلى مستواه السياسي. فلا ريب في نوايا اللجان، ولا شك في أهليتها، حسب ما تقول اللجنة. وما على الروائي الفائز، أو الخاسر إلا أن يرضخ للقرار. وليس على الروائي المرشح للسنة القادمة، إلا انتظار أن يرفع "رئيس" اللجنة روايته في العرض الإعلاني، مثلما ترفع أجهزة الهاتف النقال، أو زجاجات العطر.

وسواء كنت مناصراً لاختيارات اللجان أو منددا بها، فإن الكلام عن الروايات المرشحة للبوكر، في القائمتين الطويلة والقصيرة، وعن الرواية الفائزة، هو السائد في الصحافة العربية. والدليل أن صمتا نقديا يعم العالم العربي، عن الروايات العربية، أكثر من بضعة أشهر في انتظار القائمة الطويلة، لا أحد يكتب أو يتحدث عن الروايات الصادرة، في انتظار قول اللجنة، كي يبدأ الحديث بعدها عن الروايات المرشحة، تأييدا أو استنكارا، في حين أن أكثر من مائة رواية ستكون قد شاركت في المسابقة، أو لم تشارك. أين هي؟ وهل يعقل أن يرتهن القارئ والصحافي والناقد العربي لقراءة اللجان إلى هذا الحد من الخنوع؟

ثمة انقسام أكثر خطورة، فالجائزة التي أضيف إليها اسم العالمية، ستعيد تسمية القسمة الطارئة التي قررتها بين رواية عربية محلية، وهي تلك التي لم ترشح ولم تفز، ورواية عربية عالمية، وهي تلك السعيدة التي قرّر خمسة أشخاص أنها ستصعد إلى هناك في أوروبا، وهي ترفرف بأجنحتها.

المساهمون