باسكال جيلان.. عن تحرير الثقافة وما بعد التعددية

28 فبراير 2019
روبرت دانيلز/ الولايات المتحدة
+ الخط -

كثيراً ما تتحدّث الدول التي تستقبل المهاجرين عن مسألتين: الأولى هي التعدُّدية الثقافية والثانية هي الاندماج. وفي الحقيقة لو تعمّقنا في المفهومَين، قد نجد بينهما شيئاً من التنافر، فهل تقتضي التعدُّدية الثقافية ذوبان الثقافات المهاجرة في المستقبلة لكي يتحقّق الاندماج، أم أن التعددية الثقافية هي هذا التنوُّع الهوياتي والديني واللغوي القابل للعيش والحياة على أرض مشتركة، لكن هل ذلك ممكن حقاً؟ وهل يمكن تذويب التوتُّرات في ظل صعود الشعبوية واليمين في مختلف جهات العالم، وما دور الثقافة والفنون في ذلك؟

يرى أستاذ علم الاجتماع البلجيكي باسكال جيلان أن التوترات ستظل موجودة لكن المؤسسات تحاول إخفاءها. وفي نظره، فإن المؤسّسات الثقافية يمكنها أن تلعب المنصّة المثالية للإبقاء على التوتُّرات في منطقة النقاش والجدال البعيد عن العنف، فهذه التوتُّرات تصير مرئية وتصير الحياة صالحة للتعايش معها.

حول هذه الفرضية يتحدّث جيلان عند السادسة من مساء اليوم الخميس في جامعة إسطنبول بيلجي في محاضرة بعنوان "تحرير الثقافات ما بعد التعددية: من قوانين المؤسسات الثقافية نحو دساتير الفن المشتركة".

يناقش جيلان أهمية جعل الصراعات والتوترات مرئية وقابلة للتعايش معها، بدلاً من القضاء عليها أو قمعها في إطار تحقيق التعددية الثقافية، محاججاً أن المؤسسات الثقافية يمكنها لعب دور أساسي ومهم في ذلك.

الكاتب تناول فكرته هذه في أكثر من كتاب، إذ يرى أن المؤسسات الفنية والبنى التحتية الثقافية مثل المسارح والمتاحف والمكتبات بُنيت أساساً لدعم قيم الدولة القومية. وقد اضطلعت هذه المؤسسات، من بين جملة أمور أخرى، بمهمة محاكاة لغة موحدة وزراعة هوية أحادية للسكان داخل حيز جغرافي- سياسي منشود.

ويوضّح المتخصّص في علم اجتماع الفن والسياسة، أنه ومنذ السبعينيات من القرن الماضي، كان هناك نقد قوي لهذا النموذج الذي يرتبط به النقد الاستعماري وما بعد الاستعماري.

جرت كذلك دراسة الحلول من خلال تقديم نهج متعدّد الثقافات، يجب فيه تمثيل الثقافات المتعدّدة على قدم المساواة. ومع ذلك، فإن التعدّدية الثقافية تقوم على سياسة تكوين هوية تتبنّى الانسجام والإجماع بسهولة.

في محاضرته، يجادل جيلان بنموذج آخر قائم على ما يُسمّى بسياسة "التشارك" و"المعارضة". معتبراً أن التخلُّص من الصراعات والتوتُّرات أو قمعها مسألة ليست مفيدة وقد ثبت ذلك طيلة العقود الماضية، ولكن الأفضل أن نجعلها مكشوفة ومرئية و"قابلة للتعايش" معها.

لا تبدأ هذه السياسة "العامة" لتطبيق فرضية جيلان، من المساواة بين الثقافات، بل بالتركيز بشكل دائم على "الأقل" في المجتمع، وعلى أولئك الذين لم يتم تمثيلهم بعد ولا يتمتّعون بصوت مستقل عن خلفيتهم الثقافية أو جنسهم أو طبقتهم الاجتماعية.

وكأن السؤال الأساسي الذي يضعه جيلان أمامنا على الطاولة؛ فيما يخص التعددية الثقافية هو هل ينبغي التركيز على الهويات، أم الحفاظ على الحرية الديمقراطية، وإحضار الكل في المصادر المشتركة مثل التعليم واللغة والثقافة، إلى جانب العمل والرعاية الصحية والإسكان.

يرى صاحب "لا ثقافة لا أوروبا: في أصول السياسات"، أن هذه الأمور هي موضوع الصراع المستمر من قبل الجماعات المختلفة وهي أساس الجدال والتوتر، ويمكن للمؤسسات الثقافية أن تكون المنصات المثالية لمناقشة سياسات التفرقة هذه.

المساهمون