حين صدرت رواية "دون كيخوته" لأول مرة مع بدايات القرن السابع عشر، لم تكن توجد نظريات أدبية بالمعنى المتعارف عليه، فكان أقصى جهود النقاد أن يقاربوا النص من زاوية بلاغية. من ذلك الزمن إلى أيامنا تغيّر تناول الأدب بشكل جذري، فظهرت مدارس نقدية متعددة ومقاربات شتّى كانت في البداية تستند إلى التراث النقدي السابق ثم انفصلت عنه تدريجياً، بل إنها أصبحت تستلهم مقولاتها من مجالات معرفية بدت لزمن طويل في قطيعة مع الأدب، مثل الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس وحتى المناهج الإحصائية المستندة إلى الرياضيات.
رغم هذا التجدّد، بقيت رواية "دون كيخوته" من أكثر الأعمال حضوراً في المدوّنة النقدية، حيث تجد النظريات الحديثة ما تستند إليه فيها، بداية من بنيتها الشكلية وصولاً إلى تركيبة الشخصيات وطرق تفاعلها داخل الحبكة الأساسية وضمن الحبكات الفرعية التي يطورّها مؤلف الرواية ميغيل دي ثربانتس.
يجدر الانتباه إلى أن الرواية كجنس أدبي معترف به لم يكن موجوداً في ذلك العصر، بل إنه لن يتأسّس بشكله الحالي سوى في القرن التاسع عشر، وكثيراً ما أرجع منظّرو الأدب اكتمال هذا الجنس في رواية "دون كيخوته"، وهو ما جعل اهتمام النقّاد والباحثين يتجدد بشكل دائم حول هذه الرواية كلما تعلق الأمر باختبار المقولات النظرية في تأسيس الرواية كجنس أدبي.
"ثربانتس والنظرية الأدبية" عنوان مؤتمر دولي يقام في مقر "جمعية ثربانتس" في العاصمة الإسبانية مدريد، يومي الأربعاء والخميس، 24 و25 من الشهر الجاري. هذه هي الدورة السادسة عشرة من المؤتمر، والذي يعدّ أحد أبرز الملتقيات العلمية حول أدب الكاتب الإسباني ميغيل دي ثربانتس، ويتميّز بانفتاحه على مجمل المعارف العلمية، حيث يحضر هذ العام، إلى جانب المتخصصين في الأدب ونظرياته، باحثون في الفلسفة والدراسات الثقافية ومؤرّخون، خصوصاً منهم المتخصصين في أوروبا مطلع العصور الحديثة.
حيال هذا التنوّع التخصّصي يفترض أن يكون المؤتمر مفتوحاً على مختلف الثقافات، غير أن الأمر لا يزال لم يتخطّ بعد دائرة اللسان الإسباني، حيث يحضر بالأساس باحثون من إسبانيا وكولومبيا والأرجنتين والمكسيك، في الوقت الذي تشهد فيه الدراسات حول ثيربانتس نشاطاً واضحاً في بلدان ناطقة بلغات أخرى.
من المحاور المقررة ضمن أشعال المؤتمر: "ثربانتس والنقد الأدبي"، و"ثربانتس ونظرية الشعرية لدى أرسطو"، و"ثربانتس والعصر الذهبي الإسباني"، و"ثربانتس والمادية الفلسفية".