وثن لا يليق بالمدينة

07 ابريل 2016
مقطع من لوحة بعنوان "تونستان" لـ علي بتروني/ تونس
+ الخط -

رسالة أفقية إلى مُعارض عمودي
كيف يمكن أن تكون معارضاً وأنت تعيد، يوماً بعد يوم، إنتاج ما مورس عليك من قمع على من يخالفك الرؤية والرأي؟ وما فائدة أن تكون معارضاً - أصلاً - إذا كنت تنوي تهجيرنا من واقع سلطوي شرس إلى لاحق أكثر سلطوية وشراسة؟

وهل صحيح أن كل كاتب يرفض الركوع تحت قدميك والانتماء إلى حلقة مريديك هو ظلّ للشيطان؟ وأن كل امرأة تناضل من أجل أن لا تكون زوجتك الثانية هي عاهر أمّاً عن جدة؟ نريد أن نفهم أيها السيد المتربع على صرة اليقين الماسك بتلابيب الحقيقة المطلقة الذي لا بديل له.

منذ ثلاثين عاماً، ونحن ننقد رجال الحكم ونحثّهم على أن يكونوا مواطنين كاملي الحقوق في المتاحف الأثرية أو في الجزر الشاغرة. بعضنا سُجِن من أجل ذلك، أو استشهد مرة واحدة. والبقية لا تزال تعلّم الأطفال ما معناه أن الديمقراطية ألذ من الحلوى، وتردّد علناً مع بيار نافيل أن "العصر ليس عصر نبوءات بل عصر توقّعات"، دون أن تثنيها القوانين الجائرة عن مواصلة النشيد.

ولكننا أيها السيد، كلما عبّرنا - شفاهة أو كتابة - عن يقيننا بأنك بشر مثلنا تخطئ وتصيب، تحيا وتموت مثلنا، تملّكك الغضب ونشرت بني هلالك في الصحف والشوارع ومحطات الباص ليعلّمونا كيف نصمُت قبل أن تنغرز خناجرهم المسمومة في ضلوعنا المهشمة.

نريد أن نفهم أيها السيد سبب تحوّلك المفاجئ إلى مُعين للرقيب الرسمي، وإلى خرطوشة إضافية في هذه البنادق الكثيرة الموجّهة إلى صدر الوطن، وأخيراً إلى وثن لا يليق بالمدينة.
ولأننا لم نفهم، حاولنا كثيراً ولم نفهم، فإننا لا نرى جدوى في تأجيل صراعنا معك إلى وقت تكون فيه رؤوسنا قد أينعت وحان قطافها، ويكون فيه زبانيتك بصدد إيقاظ شهرزاد وأبي نواس وبقية الأموات لمحاكمتهم طبقاً لدستورك الجديد.

ثم لماذا نؤجّل هذا الصراع، ونحن مقتنعون تمام القناعة بأن ثمة فارقاً بين أن ينحاز الكاتب إلى بعض الأفكار والقيم المحرّكة لقوى المعارضة في بلاده، وبين أن يتحوّل مباشرة بعد إعلان هذا الانحياز إلى سكرتير وديع لا يتجاسر على تنقيط مقال أو قصيدة أو صرخة إلا بعد استشارة هذه القوى؟

 

رسالة إلى الشركة التونسية لنهب الكتّاب
السيّد..
لا داعي للتحية، وبعد..
أكيد أنك لا تناضل من أجل تجويع الناس، الجوع قضية خاسرة لا تستحق أن يموت من أجلها أحد. ولكن سلوكك تجاه كتّاب البلد يبعث على الغثيان. أمس قابلتهم جميعاً.. كان أحدهم يستعد للرحيل، والبقية يلعنون الصدفة التي جاءت بهم للكتابة.

أنت تعرف أيها السيد، يا من بيتك يطل على المتوسط وأصابع زوجتك تحترق من الذهب، أن لا شيء في هذا البلد الطيّب يباع بالمجّان: الكتب، الورق، الشمع، السجائر، دواء الحمّى، الشاي، البيرة..

وأنت تعرف أيضاً أن كتابة مقال أو قصيدة أو كتاب، يتطلّب أعواماً من القراءة وشهوراً من الأرق وليال من المرض. وساعات من معاشرة الموت وأشياء أخرى قد لا تصدقها لفرط جهلك بالكتابة.


* رسالتان نشرهما الشاعر الراحل في كتابه "تفاصيل"

المساهمون