كوكب واحد "نظيف" في باريس

13 ديسمبر 2017
احتجاجات ضد الانبعاثات (جيفري فان در هاسلت/ فرانس برس)
+ الخط -
تحت شعار "قمة الكوكب الواحد" عقدت في العاصمة الفرنسية باريس، أمس الثلاثاء، قمة مناخية كبرى، في غياب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أعلن في وقت سابق انسحاب بلاده من "اتفاق باريس للمناخ" لكن بمشاركة عشرات قادة الدول والاقتصاديين والخبراء البيئيين والحقوقيين والمسؤولين الدوليين الذين تقدمهم جميعاً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

بالترافق مع القمة، انطلقت في وقت مبكر تظاهرات لمنظمات غير حكومية مدافعة عن البيئة ضد "الطاقات الأحفورية" التي يمثلها النفط التقليدي والغاز، مطالبة الحكومات بوضع حد لاستخدامها. ولأنّ لقاء القمة حول المناخ، يدرس مسألة تمويل الانتقال الطاقوي، الذي صودق عليه في "اتفاق باريس للمناخ" قبل عامين، فقد رأت فيها بعض المصارف مناسبة للإعلان عن مواقف جديدة، فمؤسسة "أكسا" عملاق التأمينات أعلنت عن وقف استثمارات لها في الفحم الحجري، تقدر بـ2.4 مليار يورو، و700 مليون دولار في الرمال القارية، باعتبارهما مصدري طاقة بالغة التلوث.

وبالرغم من غياب ترامب، تميز اللقاء بحضور شخصيات أميركية ذات أهمية مثل حاكم كاليفورنيا الأسبق والممثل الهوليوودي أرنولد شوارزينغر، وعمدة نيويورك الأسبق مايكل بلومبيرغ الذي أكّد أن "واشنطن لن تستطيع فعل شيء ضدّنا". وارتكز هذا المسؤول المتحمس لمكافحة التغير المناخي، على تحالف كبير من الفاعلين (مدن وشركات وولايات)، أُعلن عن إنشائه بعد إعلان ترامب عن انسحاب الولايات المتحدة من "اتفاق باريس". وكشف بلومبيرغ أنّ هذا التحالف "يضم أكثر من نصف الاقتصاد الأميركي، فيما المشاركون فيه في ازدياد". وعبر عن تفاؤله في تحقيق الأهداف التي أكدها "اتفاق باريس" أي تخفيض 26 في المائة من الانبعاثات.

هذا التفاؤل يتعارض مع تأكيد ماكرون أمس أنّنا "بعيدون جداً عن هدف اتفاق باريس في احتواء ارتفاع الحرارة تحت عتبة درجتين، ودرجة ونصف، إذا أمكن". شدد الرئيس الفرنسي، في لقاء له مع صحيفة "لوموند" على ضرورة "التعبئة الكبيرة والقوية لهذه القضية، وخلق صدمة في أنماط إنتاجنا وتنميتنا، كي نصل إلى أهدافنا".

ولأنّ الرئيس الفرنسي أراد أن يمنح المثال على الانخراط الفرنسي الفعّال في هذه المعركة المصيرية، فقد أعلن أنّ بلاده ستزيد، ابتداء من عام 2020، مساهمتها السنوية، إلى مليار ونصف مليار يورو لمساعدة دول الجنوب في الانتقال إلى الطاقة النظيفة.

ومن جهته، طالب وزير الانتقال الطاقوي الفرنسي نيكولا هولو بإغلاق كلّ أفق في وجه الطاقات الأحفورية التي تنتمي إلى "طاقات الماضي" كما طالب بوضع حدّ للاستثمارات في هذه الطاقات الأحفورية، بما فيها الاستثمارات الفرنسية. واستنجد الوزير الفرنسي بتوصيات المجموعة العلمية التي تنصح بالتخلي عما بين 60 و70 في المائة من ثروات الطاقة الأحفورية التي توجد تحت أرجلنا. وفي بادرة قوية تلتزم بهذه الرؤية، أعلن البنك الدولي، الذي يشارك فرنسا في تنظيم هذه القمة، أنّه لن يموّل أيّ استغلال أو استثمار للنفط أو الغاز، بعد سنة 2019.
كذلك، قرّر 225 من كبار المستثمرين الضغط على نحو 100 شركة من بين الشركات الأكثر تلويثاً في العالم حتى تتأقلم مع مكافحة الاحتباس الحراري، ومن بين هؤلاء المستثمرين العملاق المصرفي البريطاني "أتش أس بي سي" وأكبر صندوق للرواتب التقاعدية وهو نظام التقاعد العام لموظفي ولاية كاليفورنيا (كالبيرس). يطلب هؤلاء المستثمرون من الشركات الأكثر تلويثاً العمل بسرعة، على تحسين إدارتها للتغير المناخي والحد من الانبعاثات وتعزيز نشر معلومات مالية متعلقة بالمناخ. وتشير أصابع الاتهام إلى كبريات المجموعات النفطية والغازية (BP وChevron وCoal India وغيرها)، وفاعلين في قطاع النقل (إيرباص، وفورد، وفولكسفاغن وغيرها)، وشركات مناجم وأخرى متخصصة في صناعة الحديد (ArcelorMittal، وBHP Biliton، وGlencore وغيرها).

والجدير بالذكر، أنّ الجميع ينتظر باقي الالتزامات المالية من القطاعين الخاص والعام لتحقيق الأهداف، علماً أنّ القمة أطلقت نحو 12 التزاماً، على المستوى الفرنسي والعالمي من أجل جعل تعبئة هذين القطاعين محسوسة، في إطار مكافحة الاحتباس الحراري. ومن بين هذه الالتزامات استراتيجيات الرد على الحالات القصوى، وحماية المصادر الطبيعية، وإجراءات لصالح المركبات الكهربائية، بالإضافة إلى مبادرات في القطاع المالي من أجل تفضيل اقتصاد خالٍ من الكربون. كذلك، فإنّ من بين الإعلانات الجديدة تحالف بين صناديق سيادية على رأسها النرويج بمشاركة قطر والكويت والإمارات والسعودية ونيوزيلندا.

وأعلنت مجموعة من المانحين والرعاة، مجتمعين في عشر مؤسسات، من بينها مؤسسات "مايكل بلومبيرغ" و"بيل غيتس" و"ريتشارد برانسون" عن التزامها زيادة مساهماتها لفائدة المناخ. وهو ما يعني أنّ غيتس سيزيد مشاركته في برنامج تمويل الأبحاث المناخية من 300 مليون إلى 500 مليون دولار.

تجدر الإشارة إلى وجود لجنة متابعة تجمع فرنسا والأمم المتحدة والبنك الدولي، ستقدم حصيلة أولى في سبتمبر/ أيلول 2018، أثناء قمة الفاعلين المستقلين التي تعقد في كاليفورنيا.

المساهمون