الحرب وأسباب أخرى للنزوح في ليبيا

24 يونيو 2019
ما زالوا صامدين رغم الدمار (عبد الله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

لا تنتهي أزمات المواطن الليبي، والنزوح بحثاً عن ظروف حياة أفضل من أبرزها، لا سيّما مع الاضطرابات التي تتكرر في البلاد. وليست الحرب التي أدّت إلى تهجير أكثر من 100 ألف شخص من جنوب طرابلس، بحسب بيانات الأمم المتحدة، السبب الوحيد للنزوح بل ثمّة أخرى تتعلق بغياب أبسط متطلبات الحياة. يُذكر أنّ وزارة الشؤون الاجتماعية التابعة لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، كشفت في بيان أخير لها أنّ 1100 أسرة نازحة من جنوب طرابلس توزّعت على 46 مركز إيواء في بلديات طرابلس والمنطقة الغربية، في حين ما زالت 16 ألف أسرة من دون مأوى.

يصف المواطن الليبي ناجي السهولي الأمر بأنّه "أزمات متتالية... ما إن تحلّ واحدة حتى تبدأ الأخرى في الظهور". ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "نقص الخدمات في طرابلس هي حرب أخرى"، مضيفاً أنّ "كثيرين ممّن يملكون القدرة على العيش بعيداً عنها، حتى في دول مجاورة، لا يتردّدون في ذلك. لا وقود ولا كهرباء في طرابلس، وهو ما يضطر المواطن إلى العيش في مناطق مجاورة تتوفّر فيها نسبياً مثل تلك الضروريات". يُذكر أنّ العاصمة طرابلس عرفت أخيراً أزمة نقص في المحروقات، فطالت طوابير السيارات أمام محطات الوقود، وقد أرجعت لجنة الأزمة في بلدية طرابلس الكبرى الأمر حينها إلى تأخّر بواخر المحروقات. ويلفت السهولي إلى أنّ "التزوّد بالوقود كان يستلزم ثلاث ساعات بسبب طول الطوابير، فيما أقفلت محطات أبوابها، الأمر الذي اضطر المواطن إلى البحث عن المتوفّر".

من جهته، اضطر السنوسي الشافعي إلى النزوح من الغريفة، جنوبي البلاد، حيث غاب الوقود لأشهر طويلة وكذلك غاز الطهو والكهرباء وخدمات أخرى. يخبر الشافعي "العربي الجديد": "أزور منطقتي بين الحين والآخر، لكنّ الأزمة المعيشية مستمرة فيها وسط غياب متطلبات الحياة الأساسية". وعلى الرغم من إشارته إلى أنّ "الناس تعايشوا مع الأمر"، فإنّه يؤكد أنّه "لا مناص من الهرب والبحث عن مكان للنزوح. صحيح أنّ الوضع في طرابلس متأزّم لكنّه أفضل بكثير ممّا يعيشه الجنوب".

"حركة بلا بركة" في الأسواق (محمود تركية/ فرانس برس)

تجدر الإشارة إلى أنّ محطات المحروقات بمعظمها، راحت أخيراً توفّر الوقود للمواطنين، غير أنّ السهولي يقول إنّ "أزمة الوقود انتهت لتبدأ على الفور أزمة كهرباء. فوصل عدد ساعات قطع التيار الكهربائي في حيّ الفرناج، حيث أقطن بطرابلس، إلى 17 ساعة". وهذا ما دفع السهولي إلى الانتقال قبل أيام إلى قرية الشمس السياحية في مصراتة (شمال غرب)، هارباً ممّا وصفه "انعدام الحياة". ويسأل: "كيف لحكومة صرفت المليارات على شرطة الكهرباء أن تخرج وتعلن قرب دخول العاصمة في حالة إظلام تامة؟".

كثيرون هم المواطنون الذين يرون أنّ أزمات البلاد "مفتعلة" وأنّ الأطراف المسيطرة على الأرض تستخدم معاناة المواطن الإنسانية في وجه بعضها البعض. ويقول السهولي في هذا السياق إنّ "المعارك في طرابلس كانت محتدمة طيلة شهر ونصف الشهر من دون أن تنقطع الكهرباء دقيقة واحدة. وفجأة أُعلن عن قطع التيار الكهربائي لمدد تتجاوز 12 ساعة يومياً. ما الذي اختلف وما هي الأسباب؟". ويتّهم "أطراف الصراع بالمتاجرة بقضايا المواطن بهدف الكسب السياسي". وعلى الرغم من أنّ الشافعي يعدّ ظروف الحياة أفضل في طرابلس بالمقارنة مع الجنوب، يرى السهولي أنّ "الأوضاع أفضل في مصراتة البعيدة عن مشكلات الحرب، فالوقود متوفّر وقطع التيار الكهربائي محصور بثلاث ساعات"، مشيراً إلى أنّ من بين أسباب نزوحه "أولادي الذين يستعدّون للامتحانات والذين يحتاجون إلى ظروف مناسبة لذلك. وبالفعل، نقلت ملفاتهم الدراسية إلى مصراتة".




ثمّة مواطنون لم يكتفوا بالنزوح الداخلي، فلجأوا إلى دول مجاورة. وكانت مؤسسة "غالوب" الأميركية قد نشرت في مايو/ أيار الماضي نتائج استطلاع رأي يبّين رغبة أكثر من ثلث النازحين الليبيين إلى طرابلس في التوجه إلى دول مجاورة لليبيا، مشيراً إلى أنّ ظروف العيش ازدادت سوءاً. وأوضحت نتائج الاستطلاع أنّ 37 في المائة يعانون للعثور على مسكن مناسب، و43 في المائة يفتقرون إلى السيولة النقدية، فيما يرغب 34 في المائة في مغادرة ليبيا واللجوء إلى بلدان الجوار. من جهتها، كانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد أفادت في خلال بيان صحافي في مايو/ أيار الماضي، بأنّ ممثلين لها ولمنظمة الصحة العالمية زاروا برفقة مسؤولين من وزارة الصحة التونسية ولاية تطاوين التونسية القريبة من الحدود الليبية مع تونس للاطلاع على إمكاناتها في ما يتعلق باستقبالها لاجئين فارين من أعمال العنف التي تشهدها ليبيا.