بعد 13 عاماً من العمل في محلّ ألبسة في مدينة نابلس، شماليّ الضفة الغربية المحتلة، تتقاضى أسماء (ثلاثينية) راتباً قيمته 300 دولار أميركي فقط، وهو أقلّ بنحو 100 دولار من الحدّ الأدنى للأجور الذي نصّ عليه قانون العمل الفلسطيني. وتجد أسماء نفسها مضطرة إلى القبول بذلك، إذ إنّها تعلم جيّداً بأنّها لن توفَّق بفرصة أفضل.
عند الساعة التاسعة صباحاً، تبدأ أسماء عملها، كما هي حال عشرات النساء اللواتي يعملنَ في محلات الألبسة في نابلس، لينتهي دوامها عند الساعة السادسة مساءً في الأيام العاديّة. أمّا في أيام الأعياد من قبيل عيد الأمّ، أو تلك التي تسبقها في موسمَي عيدَي الفطر والأضحى على سبيل المثال، فتمتدّ ساعات العمل لتتخطّى الساعات التسع وتصل في بعض الأحيان إلى 12 ساعة. كذلك الأمر خلال مواسم التخرّج ومواسم الزواج، التي تكون عادة في فصل الصيف. يُذكر أنّ في أيام "وقفات الأعياد"، قد تعمل أسماء حتى الساعة الحادية عشرة قبل منتصف الليل.
تقول أسماء لـ"العربي الجديد": "أعدّ نفسي من المحظوظات لأنّني أتقاضى 300 دولار، فكثيرات هنّ النساء اللواتي يعملنَ في محلات تجارية ويتقاضينَ أجوراً أقلّ من أجري، على الرغم من أنّهنّ يحملنَ شهادات جامعية". وأسماء ليست من هؤلاء، فهي اضطرت إلى ترك المدرسة عندما كانت في المرحلة الثانوية، بسبب ظروف عائلتها الصعبة وراحت تعمل لتعيل أختها ووالدَيها المسنَّين.
وتعمل مئات النساء في مدينة نابلس في ما يُسمّى "خدمات عامة"، أي بائعات في محلات ألبسة أو سكرتيرات في العيادات الطبية ومكاتب المحامين، والمشترك بين هؤلاء العاملات هو ساعات العمل الطويلة والأجور القليلة وعدم توفّر أيّ أمان وظيفي. وعن علاقة هؤلاء العاملات بالنقابات العمالية، تقول أسماء: "لم ألجأ يوماً إلى النقابة لحلّ مشكلة تواجهني، كذلك لم يزرني يوماً أيّ مسؤول فيها للسؤال عن أوضاع العمل". وهي تفضّل عدم اللجوء إلى النقابة وإلى وزارة العمل لحلّ أيّ مشكلة في العمل، شأنها شأن كثيرات من النساء اللواتي يعملنَ في الشارع ذاته، قائلة إنّ "نساءً فعلنَ ذلك وتقدّمنَ بشكاوى لكنّهنّ لم يتمكّنّ من العثور على فرص أخرى بعدما تركن أعمالهنّ التي تعرّضنَ فيها لمشكلات".
منال، شابة في أواخر العشرينيات من عمرها وتحمل شهادة بكالوريوس في التربية، تعمل براتب لا يصل إلى 250 دولاراً في الشهر. تقول لـ"العربي الجديد": "أعمل في محل لبيع الألبسة، وهذه هي الرواتب المتوفّرة في البلد، في حين لا تتوفّر أيّ فرص للعثور على وظيفة حكومية أو أخرى في القطاع الخاص. وأنا لا أريد أن أكون عالة على عائلتي". وإلى جانب ما تعانيه العاملات لجهة ساعات العمل الطويلة والأجور القليلة، تشكو منال من مشكلة تواجهها وزميلاتها في المحال التجارية، وهي المراحيض. تقول: "إذا أردت استخدام المراحيض، يتوجّب عليّ التوجّه إلى وسط البلد، حيث حمّامات المجمّع التجاري. وهو ما يعني وجوب السير لنحو 10 دقائق. أمّا الأصعب، فهو إيجاد الوقت المناسب لذلك. لا بدّ أن يحلّ أحدهم مكاني في المحلّ، فأنا لا أستطيع إغلاقه وإلا فإنّ صاحبه سوف يغضب".
ثمّة مشكلة أخرى لا تقلّ أهمية عمّا سبق عرضه، وهي إيجاد وقت (نصف ساعة) لتناول وجبة طعام بعيداً عن أعين الزبائن، أو للذهاب إلى طبيب الأسنان أو أيّ طبيب آخر في حال الإصابة بمرض ما. يُذكر أنّ الإجازات المرضيّة لا تكون مدفوعة عادة للّواتي يعملنَ في المحال التجارية. وتؤكّد منال أنّ "الشغل ليس عيباً، لكنّ المجتمع ما زال ينظر بطريقة مختلفة جداً إلى المهندسة والمدرّسة من جهة وإلى البائعة في محلات الألبسة من جهة أخرى".
من جهتها، تعمل فتحية (46 عاماً) سكرتيرة لطبيبَين في إحدى العيادات الطبية في مدينة نابلس، وهي تحصل على راتب قيمته 300 دولار لقاء عملها هذا. تقول فتحية وهي أرملة تعيل خمسة أولاد إنّ "الراتب قليل، لكنّ ساعات العمل أقلّ من تلك المتوجّبة في محلات الألبسة. فأنا أبدأ عملي عند الساعة التاسعة صباحاً لأنتهي عند الخامسة عصراً".