شباب الموصل يتحدّون خراب الحرب بـ"ثورة الدنابر"

11 مارس 2018
دمار هائل يحتاج جهوداً جبارة لإزالته (تويتر)
+ الخط -

يعقد أهالي مدينة الموصل أملهم في الشباب المتطوع المندفع لإعادة الحياة إلى مدينتهم، التي تعتبر أكثر المدن العراقية دماراً من جراء الحرب ضد تنظيم "داعش" الإرهابي.

الملفت للانتباه أن الخراب المنتشر في كل مكان من الموصل، عجزت الجهات الحكومية عن إزالة آثاره، ورفع مخلفات الحرب وأنقاض البيوت المهدمة، لإعادة الحياة مرة أخرى إلى المدينة؛ وذلك لكون العملية تحتاج، وفق حسابات الحكومة، إلى رصد مبلغ ضخم غير متاح حالياً.

لكن حسابات الشباب من أبناء الموصل تختلف كلياً عن حسابات الجهات الحكومية المسؤولة والمتخصصة؛ فهم يرون أنه بالإمكان إعادة الحياة للمدينة بمبالغ معقولة، وأن كل ما يحتاجونه هو روح التعاون وحبّ المدينة فقط.

ومع انطلاق شباب الموصل من هذا المبدأ، كانت النتيجة عودة أعداد كبيرة من العائلات إلى بيوتها، وإعادة الحياة إلى المدينة التي فقدت معالمها.

أيوب ذنون، الذي يشارك في عدة حملات تطوعية لإعادة تأهيل المدينة، يخصص وقتاً كل يوم للعمل في رفع الأنقاض، من خلال حملة أطلقها هو ورفاقه الشباب، سمّوها "ثورة الدنابر"، والدنابر هي عبارة عن آليات صغيرة مخصصة لحمل المواد وتفريغها.

ويقول ذنون لـ"العربي الجديد" إن سبب استخدامهم للدنابر هو ضيق الأزقة، التي لا تسمح بمرور سيارات رفع الأنقاض. ويرى أن "إعادة الحياة إلى الجانب الأيمن من الموصل تحتاج إلى ثورة"، لذلك أطلقوا حملتهم التي دشنوها بهاشتاغ "#ثورة_الدنابر.

ما فعلته "ثورة الدنابر" في الموصل (تويتر) 


ويضيف ذنون أن الحملة "كانت عفوية للاستغاثة بأهل نينوى وشبابها في التبرع والعمل"، لافتاً إلى إطلاق هاشتاغ "#أرفع_الانقاض_ب2500" هدفه حث السكان على التبرع للحملة بدفع مبلغ بسيط هو 2500 دينار (نحو 2 دولار)، مشيراً إلى أن أهالي الموصل دعموا الحملة، لإيمانهم بالشباب من أبناء المدينة في إعادة الحياة إلى محافظتهم، مضيفاً "عندما زاد الدعم والتبرع استخدمنا آليات أخرى أكبر".




ذنون، الذي يعمل صيدلانياً، يخصص وقتاً كل يوم للمشاركة في الحملة، وينشر في صفحته الشخصية على "فيسبوك" الإنجازات التي يحققونها هو ورفاقه. ويقول إن "فكرة إطلاق الحملة بدأت باستفسار عبر منشور في فيسبوك، قلت فيه: هل يمكننا إطلاق حملة كبرى لرفع الأنقاض من المنطقة القديمة بعنوان #أرفع_الانقاض_ب2500؟"، مبيناً أن "هذا المبلغ هو سعر تكلفة الدنبر لرفع الأنقاض".



ويشير إلى أن "عدد المشاركين بلغ أكثر من عشرة فرق تطوعية، وتجاوز عدد الشباب المائة"، موضحاً أن الحملة "تستهدف المنطقة القديمة من الموصل والأزقة الضيقة، لتسهيل عودة الأهالي إلى منازلهم".

ويؤكد أن "الداعم الوحيد لهم هم سكان الموصل وبعض الخيّرين من المحافظات من أصحاب الخير والعطاء"، لافتاً إلى أن عملهم لم يُدعم من قبل أي جهة حكومية. ويتابع "وعدتنا السلطات بالدعم وما زلنا ننتظر إلى الآن".

وشهدت الحملة، منذ انطلاقها قبل نحو شهرين، ترويجا إعلاميا على مواقع التواصل الاجتماعي، قادها المتطوعون أنفسهم. وكانت مقاطع الفيديو والصور التي ينشرها الشباب المشاركون في الحملة، تؤكد سعادتهم بإنجاز مهمات وقفت الجهات الحكومية عاجزة أمامها.

ومن بين هؤلاء الشباب، الإعلامي محمود النجار، الذي يصف "ثورة الدنابر" بأنها أصبحت حقيقة تؤكد نجاح المتطوعين في إنجاز عمل كبير بعد يأسهم من الوعود الحكومية.

ويقول لـ"العربي الجديد" إن "حملة رفع الأنقاض ظهرت في المدينة القديمة في الموصل، بعد تقاعس الحكومة عن أداء دورها، بفتح الطرق والأزقة في الجانب الأيمن من الموصل، ما دفع الشباب إلى تحمّل المسؤولية وتسلّم زمام المبادرة، في سبيل سد ثغرات السياسيين من ممثلي المحافظة، الذين تخاذلوا عن دورهم في تغطية القضايا الإنسانية".



ويضيف: "الشباب قرروا عدم انتظار قرارات الحكومة؛ لأنهم يعتبرون أن السياسيين هم أحد أبرز الأسباب التي ساهمت في خراب الموصل، وهذا ما دفعني لأن أتضامن مع كل من يحاول تخفيف الأضرار ورفع الأنقاض عن أزقة المدينة القديمة".

ويتابع: "بدأنا حملة لجمع التبرعات من الأهالي وبعض المنظمات المحلية الصغيرة، ثم أطلقنا خطة إعلامية واسعة عبر فيسبوك وتويتر على مستوى العراق؛ في محاولة للضغط على الجهات المعنية وتشجيع الفرق التطوعية والناشطين المدنيين والحقوقيين وجميع المهتمين للدفاع عن قضايا الإنسان".



ويوضح أن "المتطوعين رفعوا بجهود ذاتية ما يقارب 8600 دنبر، وفتحوا أكثر من 300 شارع في المنطقة القديمة"، واصفاً العمل بأنه "صعب جداً ويحتاج لوقت كبير" بسبب ضيق الأزقة في الأحياء التي لا تدخلها الآليات والمركبات الكبيرة والتي تسرع عمليات رفع الأنقاض.

ويشير إلى مشاكل تعيق عملهم، منها "مخلفات الحرب ومواد سامة وقطع من المتفجرات التي تحتاج إلى خبرات حكومية متخصصة، وهذا ما يعوقنا". ولفت كذلك إلى "ضعف الحالة المعيشية لأهالي الموصل التي زادها الدمار الذي لحق بالمحال والمصانع ومواقع العمل في المدينة نتيجة حرب "داعش"، ما جعل التبرعات غير كافية".

إنجاز المتطوعين في الموصل(تويتر) 


ورغم ذلك، يقول النجار، إن "الشباب يصرون على الاستمرار في رفع الأنقاض، وتوصيل مبادرة ثورة الدنابر إلى العالم أجمع؛ في سبيل تدويل قضية الموصل والإسراع في إعمارها، والتأكيد على حقوق المنكوبين المدنيين الذين خسروا كل شيء".

ويرى النجار أن من الأسباب التي تدفع المتطوعين إلى مواصلة العمل هو "القبول الواسع لهم من الفقراء والمنكوبين الذين خسروا بيوتهم، وكلماتهم العفوية التي تؤكد حاجتهم لهذه المبادرات التي تجدد طاقتنا واستمرارنا في العمل الإنساني".

وتتحدث سمر عثمان بفخر عن مدينتها "إنها عظيمة، إذ أنجبت شبابا يتطوعون لإنقاذها"، وتعبر لـ"العربي الجديد" عن امتنانها لـ"شباب الموصل". وتوضح قائلة: "لولا هؤلاء الشباب لبقيت وعائلتي مهجرين بعيداً عن مدينتنا وبيتنا. سكان الموصل المهجرون أصبحوا يراقبون المتطوعين، ويأملون أن يكونوا معيناً لهم في عودتهم إلى بيوتهم". وتضيف: "تكفل شباب الموصل برفع الأنقاض من شارعنا، وساعدوا زوجي في إصلاح منزلنا، نحن مدينون لهم".

ثورة الدنابر في محلة الشيخ فتحي في الموصل(تويتر) 


وتعد الموصل أكثر مدن العراق تضرراً من تنظيم "داعش" والمعارك التي شُنت لتحريرها، إذ دمر الجانب الأيمن، الذي تحرر في يوليو/تموز الماضي، بالكامل، في حين تعرّض الجانب الأيسر، الذي تحرر في يناير/كانون الثاني 2017، لتدمير جزئي، بينما الخدمات والبنى التحتية ما زالت معطلة في غالبية مناطق المحافظة.

وعلى الرغم من مرور نحو 9 أشهر على تحرير الجانب الأيمن من الموصل، لكن الأوضاع فيه ما زالت خطيرة بسبب وجود قنابل قابلة للتفجير، فضلاً عن وجود جثث تحت أنقاض المنازل المهدمة.

المساهمون