الدولار ضد الليرة

29 ابريل 2020
من الاحتجاجات أمام مصرف لبنان (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -
لوقت قصير، صدّق اللبنانيون أن وباء كورونا الجديد قد يكون التهديد الأكبر، بعدما وُضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما: حياة وموت. كلّ الأخبار المطمئنة لم تكن لتقنع أحداً. حالة وفاة واحدة كفيلة بإثارة الرعب وقد حوّلَنا الفيروس جميعاً إلى مشتبه بهم. خفّت حدّة هذا الفيروس لتتضح الرؤية، إذ إنّنا أمام "جائحة" أخرى: الجوع. والجوع قد لا يجرّنا إلى الموت، لا بل إلى ما هو أكثر خطورة. ونحن الناس نعيش إحباطاً وضياعاً واكتئاباً وكلّ تلك المشاعر التي لا نعرف إلى أين قد تقودنا.

ونحن، المواطنين، يمكن أن نُصنَّف كرابحين وخاسرين، أقلّه معنوياً، بحسب العملة التي نتقاضاها. محظوظون ومحسودون هم الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار الأميركي، وإن كانت أسعار كلّ السلع قد ارتفعت إلى درجة كبيرة. أمّا أولئك الذين يتقاضون روابتهم بالليرة اللبنانية، فيختبرون موتاً غير رحيم.

جماعة الدولار أكثر راحة، على الرغم من ارتفاع الأسعار وبالتالي غياب الربح. يسيرون جنباً إلى جنب مع الدولار ويتفرّجون على انهيار الليرة اللبنانية. وكلّما انهارت، باتوا أكثر قوة بين أولئك الذين تقضي الليرة على حاضرهم ومستقبلهم. واللحوم ليست الترف الوحيد، بل وجب التقنين في الحبوب كذلك. هكذا، وفي خلال أشهر قليلة، تحوّلنا إلى مهجّرين في داخل البلاد.

اليوم، لا نعيش في مخيّمات، لكنّ بعضاً منّا قد يصير في الطرقات. ماذا قد يحلّ بأولئك الذين هم غير قادرين على سداد بدلات الإيجار؟ مجرّد مثال إزاء الآتي الذي لا يمكن الاستعداد له ولا تخمينه.

لكنّ هؤلاء الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار الأميركي ويقصدون الصرّافين لتحويلها إلى الليرة اللبنانية، كثيرون منهم، يشعرون بأنّهم يطعنون بقيّة اللبنانيين. بطبيعة الحال، هم يفعلون ذلك. لنقل إنّهم أكثر حظاً من غيرهم. لكن في الوقت نفسه، فإنّ ذلك يخلق نوعاً من الطبقية، وسيدلّ الجميع على ذلك الذي يحمل دولارات أميركية في جيبه. سيصير منبوذاً من المجتمع، كأنّه عميل للطبقة الحاكمة التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه. أمّا هو فسيهرب من العيون في الشوارع، حتى لو كان الناس يجهلون "سرّه".



دولارات ذلك "الأكثر حظاً" أشبه بذلك الكنز الذي يبحث عنه كلّ من يرغب في تغيير تحياته، وربّما ورقة اللوتو بعدما فقدت كثيراً من قيمتها. يقول أحد الأمثال الشعبية: "معك قرش بتسوى قرش". هذه هي المعادلة اليوم أكثر من أيّ وقت. ولا يكفي القول إنّ ما بعد كورونا ليس كما قبله. فما بعد الانهيار ليس كما قبله. من المتوقّع أن تعمّ الفوضى في الشارع. أصحاب الدولار الأميركي هم "نوفو ريش" المرحلة، وقد ينبذهم أصحاب الليرة اللبنانية إلا في حال تذكّروا إعلان أحد المصارف: "ليرتك هي عملتك".
المساهمون