"تأنيث السلطة" في المغرب

11 سبتمبر 2014
لا يستغرب الناس رؤية نساء بزيّ الشرطة (منير حميدات)
+ الخط -
تُقبِل المغربيات أكثر فأكثر على الانخراط في مهن السلطة، ولا سيّما السلك العسكري والسلك الأمني والسلك الإداري، من قبيل العمل في قطاع الأمن والحراسة أو كضابطات في القوات المسلحة أو تولي منصب قائدة أو والية محافظة في المناطق الحضريّة. وذلك في ظاهرة أطلق عليها كثيرون "تأنيث السلطة" في المغرب.
وباتت تلك المهن مجالاً مفضّلاً لدى العديد من الشابات المغربيات اللواتي يتقدّمن للعمل فيها، فيكسرن بذلك احتكاراً دام سنوات طويلة من قبل الرجال. ويأتي ذلك كخطوة رئيسة تمهّد لإرساء مجتمع قوامه المناصفة في الوظائف وتشارك المسؤوليّة بين الجنسَين.
ولم يعد الشارع المغربي يستغرب رؤية نساء بزيّ الشرطة يقفن في الطرقات وفي الشوارع لتنظيم حركة المرور، أو قائدات في الزيّ العسكري يعملن على التدبير الإداري والأمني لعدد من الأحياء والمقاطعات، وذلك تكريساً لفصول دستور المملكة الذي ينصّ على "إتاحة الفرصة للمرأة لتحمّل مراكز المسؤولية والقرار".

واليات ومحافظات

وشرع المغرب يخوض غمار تأنيث مهن السلطة قبل سنوات قليلة من خلال إتاحة الفرصة أمام الإناث للعمل في السلك الأمني. وقد تزايدت أعداد الملتحقات بصفوف الأمن والجيش بشكل لافت في الفترة الأخيرة، وذلك في مختلف الرتب بدءاً من حارسات أمن الشوارع مروراً بضابطات عسكريات من رتبة عميد، وصولاً إلى المناصب العليا كواليات أو محافظات يسيّرن أمور مدن بأكملها.
وتوجُّه المغرب نحو تأنيث المهن المتعلقة بالسلطة، سواء في قطاعات الأمن أو الجيش أو من ضمن مهام محدّدة في وزارة الداخليّة، كان قد انطلق قبل سنوات، وتحديداً في العام 2008 بشكل محصور. فقد تمّ يومها قبول 19 شابة ارتدَين زيّ "السّلطة" لأول مرّة، من بين أعضاء فوج ضمّ مئة قائد من مختلف الوحدات التابعة لوزارة الداخليّة.
 
ومرّت السنوات بعد ذلك عاماً بعد عام، لتشهد ارتفاعاً متزايداً في معدّل تخرّج النساء العاملات في أسلاك الأمن وبقيّة مهن السّلطة. فارتفعت أعداد الملتحقات بهذه المهن بشكل ملحوظ، وتُوّج هذا المسار بتعيين نساء لتولي مناصب عليا فيتحمّلن بذلك مسؤولية إدارة شؤون السلطة المحليّة. ومؤخراً، عرف المغرب لأول مرّة في تاريخه تعيين والية امرأة، هي زينب العدوي، التي تبوأت قبل أسابيع قليلة منصبها على جهة في غرب المملكة.
كذلك تمّ تعيين، فوزيّة أمنصار، على رأس مجموعة مقاطعات في ولاية الدار البيضاء الكبرى. وهو ما اعتبره مراقبون، من بين أكبر تجليات تأنيث السلطة في المغرب.

تفوّق العنصر الأنثوي

سامية، شابة في منتصف العشرينيات من عمرها، تخرّجت من مدرسة الشرطة في القنيطرة. تقول لـ"العربي الجديد" إن توجُّه الإناث إلى مهن السّلطة قد يجد تفسيره في واقع أنها لم تعد مهناً بالمفهوم القديم للسّلطة التي تعتمد على القوّة البدنيّة، بقدر ما صارت مهناً مثل غيرها تعتمد على الكفاءة.
وتلفت سامية إلى أنها أحبّت مهنتها في سلك الأمن، لأنها تؤدّي بذلك خدمة للمجتمع قبل أن يكون عملاً مدرّاً لراتب ثابت في نهاية كل شهر. وتوضح أنها في البدء كانت تشعر بالمارّين في الشارع وهم يرمقونها بنظرات فضول تخترقها وهي ترتدي زيّ الشرطة. غير أنه تدريجياً، ومع مرور الوقت، تحوّلت طبيعة تلك النظرات إلى احترام وود.
ويفيد مصدر أمني لـ"العربي الجديد" أنه وعلى الرغم من الإقبال غير المسبوق للنساء المغربيات على العمل في مهن السلطة بخاصة في الأمن الوطني من خلال الترشّح لمباريات التوظيف، إلا أن نسبة هؤلاء في المهن التي ترتبط بوزارة الداخليّة لم تتجاوز بعد نسبة العشرة في المئة.
ويقول المصدر ذاته إن الإناث يحقّقن في العادة نتائج مشرّفة تتفوّق في أحيان كثيرة على الرجال في المواد التي يتمّ امتحانهنّ فيها خلال فترة التدريب في المعاهد المخصّصة لذلك. وهو ما يؤكّد إرادة المرأة القويّة للالتحاق بمهن السّلطة عن اقتناع، وليس فقط من أجل الاشتغال في مهنة براتب محترم وامتيازات معيّنة.
ويتابع المصدر أن الدولة ترمي من وراء بلوغ العنصر النسوي مهن السّلطة، إلى محاولة إدماج المرأة في التّنمية، وذلك لتجسيد التوجّه الذي انتهجه المغرب منذ وصول الملك محمد السادس إلى الحكم في العام 1999. فقد أعلِن حينها عن عهد جديد للسّلطة، عماده إقرار دولة الحقّ والقانون على أن تكون المرأة ركيزتها الرئيسة.
المساهمون