"كشّ حمام" في مخيّم الزعتري

20 اغسطس 2016
لن يتخلّى عن هذه الهواية (العربي الجديد)
+ الخط -
لا يوفّر مخيّم الزعتري للاجئين السوريّين الحريّة التي يتمناها القاطنون فيه. وقد يرغب هؤلاء في عيش حياة مختلفة. إلا أن البعض يلجأ إلى السماء، والتي توفّر حرية أكبر، لا يستفيد منها إلّا من يملك أجنحة تساعده على الطيران، على غرار الحمائم التي يمكنها مغادرة سماء المخيم من دون أن تضطر للحصول على تصاريح رسمية من إدارة المخيم، بالإضافة إلى مربيها. بالنسبة إليهم، ما من شعور أجمل من أن تطير أسراب الحمام وتعود إليهم مساءً.

في السماء، يطير سرب حمام يملكه اللاجئ العشريني أحمد الرفاعي. يُظهر مهارة استثنائية في قيادة سربه والتحكم في مساره عن بعد، من خلال استخدام الصافرة أو التلويح له بقطعة قماش. يعمل في محلّ لبيع طيور الزينة في الوسط التجاري في المخيم، والذي يُطلق عليه اللاجئون اسم شارع "الشانزليزيه"، ويملكه شقيقه الأكبر. وفي أحيان أخرى، يعمل في الزراعة خارج المخيّم، في حال حصوله على تصريح بالخروج من الإدارة.

تبدأ حياته الحقيقية بعد الانتهاء من تلك الأعمال الضرورية لتأمين المال، ثمّ يُسارع إلى فتح الأبواب المغلقة على حمائمه لتحلّق في السماء. بثقة، يقول إنه قادر على إرجاعها إليه ولو حلّقت بعيداً. لم يمنعه الانتقال إلى المخيّم من ممارسة هوايته في تربية الحمام التي بدأها في سورية، حيث كان يسكن في مدينة الحجر الأسود التابعة لمحافظة ريف دمشق. هناك، تعلّم من أشقائه فنّ "كشّ الحمام"، وبات هذا جزءاً أساسياً من حياته. وحتى حين أصبح لاجئاً في مخيّم الزعتري قبل ثلاث سنوات، أصرّ على ممارسة هوايته هذه.

يقول الرفاعي إنه حين كان صغيراً، اعتاد رؤية أشقائه يربّون الحمام، وقد تعلّم منهم تربيتها وكشّها. لاحقاً، لم يعد قادراً على العيش من دونها. خلال الحرب، خسر الشاب حماماته بعدما دمّر منزل العائلة، واضطر إلى الهرب إلى الأردن. اليوم، تعيش العائلة في المخيم، وقد استطاع الشاب استئناف هوايته. يوضح لـ "العربي الجديد": "حين وصلنا إلى المخيّم، لم يكن أحد من من اللاجئين يبيع الحمام أو يربّيه". خلال العام الأوّل، كان يتضايق حين يرى الحمام في السماء، من دون أن يكون قادراً على ممارسة هوايته.

بعد مضيّ عام على وجوده في المخيم، بدأ لاجئ يملك مقهى في المخيّم يبيع الحمام. "اشتريت منه عشر حمائم، وصنعت قفصاً وضعته على مقربة من الكرفان الذي أسكن فيه". يشير إلى أنه اشترى الحمام بسعر مرتفع، لافتاً إلى أن الأسعار خارج المخيّم أقلّ بكثير.




لم يكتفِ بالحمائم العشر. كلّما توفّر له بعض المال صار يشتري الحمام من داخل المخيم أو خارجه، إذا ما كان قادراً على الخروج منه. في الوقت الحالي، يملك الرفاعي 160 طيراً، ويتوقّع أن يزداد الرقم لأن العديد من طيوره ترقد على البيض. لم يشترِ الرفاعي كل هذا العدد. فبالإضافة إلى الزيادة الناتجة عن الشراء والتفريخ "وقّع" العديد من الحمائم، بحسب المصطلح المعتمد بين كشيشة الحمام، أي أنّه جذب حمائم لا يمتلكها إلى سربه أثناء تحليقه، ونجح في الإمساك بها خلال عودة سربه مساءً.

هذه الزيادة الكبيرة جعلت من البيت الذي بناه الرفاعي لحمائمه ضيّقاً. لاحقاً، اضطرّ إلى صنع بيت أكبر، حتى صار يملك مساحة خاصة لتربية الحمام. والبيت مصنوع من الصفيح ولا سقف له، وفيه غرف لمبيت الحمام ووضع البيض والتفريخ. وفي إحدى زواياه منطقة مرتفعة يصعد إليها أثناء تحكمه في سرب الحمام، وتكون مهبطاً للطيور لدى عودتها من رحلتها.

في المجتمع الأردني، قد يؤدّي كشّ الحمام أحياناً إلى نزاعات كبيرة ودامية، خصوصاً إذا ما أوقع أحدهم طيوراً لآخرين. وداخل المخيم، اتّفق على قانون ينظم عملية الكش، بحسب الرفاعي، وينص على أن الطير الذي يقع لا يرجع إلى صاحبه. إلا أن هواة الكش يعمدون إلى تعديله أحياناً، وقد يعيدون الطيور إلى أصحابها، خصوصاً إذا ما كانت هناك معرفة بينهم.

هذا القانون المتعارف عليه بين اللاجئين يحميهم من احتمال وقوع شجارات بينهم، خشية صدور قرار بمنع كش الحمام في المخيم. في هذا الإطار، يقول الرفاعي إن الشرطة وإدارة المخيم لا تمنعان الكش. ويلفت إلى أنه إذا ما نشب شجار يوماً، سنمنع حينها من ممارسة هذه الهواية.

لا يبدو أنّ الرفاعي سيكون قادراً على العيش من دون هوايته هذه. يقول إن الساعات التي يقضيها وهو يصفّر لحمائمه أو يلوح لها وهي تطير في السماء بحرية تكاد تكون الأجمل على الإطلاق.

المساهمون