"ولدت في الغربة وكبرت في الفقر وأخشى أن تنتهي الحياة بي على هذه الحال". هكذا يختصر الشاب عبيد الرحمن وهو واحد من اللاجئين الأفغان في باكستان، وضعه، فيما الأسى بادٍ عليه. وعبيد الرحمن الذي يعيش في منزل من الطين في مدينة راولبندي المجاورة للعاصمة الباكستانية إسلام أباد، يعمل كإسكافي، ويقصد منذ الصباح الباكر مكان عمله في أحد المحال التجارية. يقول عبيد الرحمن البالغ من العمر ثلاثين عاماً إنّ "إصلاح أحذية الناس هو الوسيلة لتأمين لقمة عيش لأسرتي الفقيرة وأطفالي الذين لم يدركوا بعد حالهم في اللجوء والغربة". وهو يعمل حتى وقت متأخّر من المساء ليكسب ما بين 800 روبية باكستانية (نحو 5.10 دولارات أميركية) وألف روبية باكستانية (نحو 6.40 دولارات)، جزء من هذا المبلغ يُخصَّص كبدل إيجار للمنزل والمتبقّي لمصاريف العائلة. يضيف: "في بعض الأحيان، أحاول الادخار من أجل المستقبل، لكنّ مرض واحد من أطفالي أو أحد والدَي يفرض عليّ صرف ما ادّخرته".
وعبيد الرحمن ولد قبل ثلاثين عاماً في مديرية ميوند بإقليم قندهار، في أوضاع أمنية متدهورة، فأفغانستان كانت مشتعلة. وهذا ما دفع أسرته إلى باكستان وهو طفل. في شمال غرب باكستان، مكثت الأسرة لسنوات في أحد مخيّمات اللاجئين الأفغان، فيما راح والده فضل الرحمن يشتغل في أيّ عمل يتوفّر أمامه من أجل تأمين لقمة العيش لأولاده. يُذكر أنّ العائلة كانت تتلقى مساعدات من مؤسسات دولية مختلفة ومن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبالتالي كانت حالها جيّدة إلى حدّ ما وهذا ما جعلها ترسل أولادها إلى المدرسة.
تابع عبيد الرحمن تعليمه حتى الصف الرابع في إحدى المدارس التابعة للمفوضية، قبل أن يلتحق بمدرسة دينية من أجل حفظ القرآن. مضى في دراسة الكتب الدينية وحفظ القرآن، إلى أن تغيّرت وصارت الأسرة تتنقّل من مدينة إلى أخرى بحثاً عن مصدر رزق. يقول الوالد فضل الرحمن: "لم أكن أتوقع أن يكون العيش صعباً إلى هذا الحدّ. أنا أمضيت حياتي كلها في العناء، ومذ تمكّنت التفريق ما بين اليد اليمنى واليد اليسرى بدأت بالعمل. كنت أشتغل مع والدي في الحقول وكانت الحياة جيّدة إلى حدّ ما، لكن الأمور تبدّلت بعد الغزو السوفييتي وصارت الحياة عبئاً ثقيلاً". يضيف: "نحن نريد الحفاظ على كرامتنا، ليس إلا"، موضحاً "نحن نعيش في منزل لا يقينا حرّ الصيف ولا برد الشتاء، أمرض أنا حيناً وتمرض زوجتي وهي كبيرة في السنّ مثلي، أحياناً أخرى، ولا أجد المال لشراء دواء". ويتابع: "ابني هو الذي يعمل طيلة النهار، وأنا أتحسّر جداً على حاله، لا سيّما أنّه لا يكسب الكثير. هكذا هي حياة الغربة واللجوء".
تجدر الإشارة إلى أنّ عبيد الرحمن تزوّج وهو في مقتبل العمر إحدى قريباته ولهما ستّة أبناء وبنات، وهو اليوم يكدّ لتأمين لطعام اللائق لهم. ويؤكد عبيد الرحمن: "لا يهمّني كلّ العناء الذي أتكبّده. ما يشغل بالي دوماً هو حالة والدَي المتقدّمَين في السنّ اللذَين يحتاجان إلى رعاية صحية كاملة وإلى طعام جيّد، وكذلك أحوال أولادي وزوجتي المسكينة التي تتولى خدمة الوالدَين والأطفال وهي محرومة من الحياة الجيدة". يضيف أنّ "ما يهمّني أكثر من طعامهم وشرابهم هو مستقبلهم، لا سيّما أنّهم محرومون من التعليم. وأخشى أن تكون حالهم مثل حالي. هذا أمر لا أريده. لذا أريد العودة إلى البلاد لعلّ أحوالنا تتبدّل ولعلّ الأولاد يتعلّمون".