رصاصة في رؤوسنا

22 يونيو 2015
كان يمكن... (حسين بيضون)
+ الخط -

كان يمكن لهذه الرصاصة ألاّ تنطلق لو أن الأرعن الذي حمل البندقية فكّر قليلاً، أو أنه لم يكن مستهتراً بحياة الناس.

كان يمكن لهذه الرصاصة ألاّ تخرج من البندقية، وتطير في الهواء من شارع إلى شارع، وتسقط من السماء على رأس طفل، فتخترق جمجمته، وتستريح في قلب دماغه.

كان يمكن للطفل، صاحب الوجه الجميل، أن يتابع لعبه في الحرج، أو في الشارع، أو في الزاروب لو أن الرصاصة الحادة لم تخترق لحمه الطريّ.

كان يمكن ألاّ تُفاجأ شقيقة الطفل بالدم الذي سال من رأس شقيقها من دون سبب. كان يمكن ألاّ تكتشف هذا السائل اللزج الحار.

كان يمكن للطفلين أن يتابعا لعبهما بعيداً عن أذى البشر. كان يمكن لضحكاتهما أن تستمر وأن تملأ الفضاء.

كان يمكن للأرجوحة أن تبقى معلّقة، تعلو وتهبط، حاملةً معها آمالهما وفرحهما بالوقت المخطوف من اليوميات الكئيبة التي حمّلهما إيّاها الكبار.

كان يمكن لعيني الفتاة ألاّ تتفتحا على كل هذا الخوف. كان يمكن لوجهها أن يظلّ أحمر.

كان يمكن للممرّضة في المستشفى أن تتابع مناوبتها بين المرضى مثل أي يومٍ عادي.

كان يمكن للطفل المصاب ألاّ يتمدّد مغمىً عليه في السرير، غارقاً في نوم وأحلام، ومعلّقاً بين أنبوب الأوكسجين وبين الموت.

كان يمكن لوالدته أن تظلّ راضيةً بحياتها طالما أنّ صغيريها يلعبان في حضنها بعيداً عن أي خطر.

كان يمكن ألاّ نرى صورة الأشعّة الرهيبة تلك، التي رسمت لنا الرصاصة في مساحة دائرية، ليست سوى رأس ذلك الطفل.

كان يمكن للدموع ألاّ تسيل، وللصلوات ألاّ تطلق، وللأمل بالنفاذ من الخطر الذي أصابنا أن يستمرّ. صحيحٌ أنّ الطفل كان نائماً في غيبوية، لكننا نؤمن أحياناً بالمستحيلات. ربما لأنّه لم يبق لنا إلاّ المستحيل بوابة لأيامنا المخنوقة والمقفلة من جميع الأنحاء.

كان يمكن ألاّ يرتبط مصير طفل لم يأخذ من الحياة إلاّ القليل بآلة طبية تمدّه وعائلته بالأمل كي تحافظ على نبضات قلبه الصغير. كان يمكن لهذا القلب ألاّ يتوقّف عن النبض.

كان يمكن لتلك الأم ألاّ تصاب بالثكل، وللأخت ألاّ تصاب بالخسارة الفادحة، وللوالد الذي بنى بدموع العين ألاّ يتفرّج كيف ينهار كل شيء في لحظة واحدة.

كان يمكن للطبيب ألاّ يخرج بذلك الخبر الذي تنخطف به القلوب.

كان يمكن لشهر رمضان، الذي ينتظر فيه الأطفال الزينة وطبلة المسحّراتي والمعمول والعيدية، أن يبقى شهراً منتظراً.

كان يمكن لهذه الرصاصة الطائشة ألاّ تصيبنا كلّنا.

كان يمكن لهذا المقال ألاّ يُكتبَ أبداً.

كان يمكن للحياة ألاّ تكون جميلة في الأفلام فقط لو أن الموت في هذه البلاد كان قضاءً ولم يكن فعلاً.

اقرأ أيضاً: الصعلوك والبندقية
دلالات
المساهمون