وقُدر عدد العائدين إلى تلك المناطق بـ80 ألف مدني موزّعين على القرى البعيدة عن مناطق التماس مع قوات النظام السوري. علماً أنّ الحملة العسكرية الأخيرة التي شنّتها قوات النظام السوري والقوات الموالية له، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، كانت قد تسبّبت بنزوح ما يزيد عن مليون مدني باتجاه المخيّمات الموجودة على طول الحدود السورية التركية.
وعقب الاتفاق التركي ــ الروسي، أصدر فريق "منسّقو استجابة سورية" بياناً، طالب فيه المدنيين بتوخّي الحذر عند العودة إلى مناطقهم في ريفي حلب وإدلب، جرّاء انتشار مخلّفات الحرب غير المنفجرة والألغام التي زُرعت قبل التوصّل إلى الاتفاق. كما طالب البيان المدنيين بالانتباه من الأبنية المنهارة أو تلك التي على وشك السقوط، وطالب المنظّمات الإنسانية العاملة في المنطقة بضرورة العودة وتقديم المساعدات للسكان، عقب الحملة العسكرية الأخيرة التي تسبّبت بحملة النزوح الكبيرة وفقدان الأسر مصادر دخلها.
وفي هذا الصدد، أوضح مدير الفريق محمد حلاج، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "المناطق التي شهدت عودة للسكّان، هي جبل الزاوية وأريحا في إدلب، وقرى وبلدات في ريف حلب، في حين لم تشهد مناطق جنوب الطريق الدولية "إم 4" أية عودة للمدنيين. إذ إنهم لا يثقون باستمرار هذه الهدنة".
وأشار إلى أنّ المناطق، التي شهدت عودة سكّانها إليها، تعاني خاصةً من نقص في الخدمات الصحية، في ظلّ اجتياح وباء كورونا العالم، والمخاوف من وصوله إلى المنطقة. وأضاف: "لا يوجد في المنطقة مستشفى أو حتى نقطة طبية. وعند اكتشاف إصابة بالفيروس، يجب على المصاب قطع مئات الكيلومترات للوصول إلى أقرب مستشفى وإجراء الفحص اللازم".
خيارات محدودة
رغم انعدام مقوّمات الحياة في المناطق التي تشهد عودة نسبية لسكّانها، إلاّ أنّ البعض فضّل العودة إلى منطقته على العيش في خيمة على الحدود. إذ يقول فاضل الشيخ، وهو نازح من أريحا عاد مع أسرته مؤخراً إلى بلدته: "مهما بلغ الأمر من سوء، إلاّ أنّ العودة تبقى أفضل الخيارات. على الأقل أنا الآن في منزلي حيث لديّ مطبخ وحمام، وأشعر باستقلالية تامّة. فلم أعد مجبراً على الانتظار في طابور لقضاء حاجتي".
وحول الظروف التي يعيشها بعد العودة والخدمات في المنطقة، يقول في حديث مع "العربي الجديد": "لا تتوفّر الخدمات في المنطقة، وحتى الفرن الآلي لا يعمل، نقطع مسافات طويلة للحصول على احتياجاتنا اليومية. لا نملك رفاهية شراء الخضروات الطازجة لأننا نشتري ما يلزمنا لمدة أسبوع، بسبب بعد المسافة بيننا وبين الأسواق".
يتفق أبو محمد مع جاره فاضل، فيقول: "أكثر ما يخيفني هو عدم وجود نقطة طبية في المنطقة، ونواجه اليوم وباءً خطيراً يفتك بالعالم. مناطقنا تخلو من المياه، ولا نستطيع غسل أيدينا باستمرار في مواجهة هذا الخطر. لكن رغم ذلك فضّلت العودة على البقاء في خيمة، أشعر فيها أنّني مقيم في العراء."
وأضاف: "لا نعلم إن كان اتفاق وقف إطلاق النار سيستمر، أم سيخرقه النظام ويقتحم المنطقة ونضطرّ للنزوح مرة أخرى. بكل الأحوال نعيش اليوم بانتظار ما سيحصل غداً".
الخوف من غدر النظام
في المقابل، هناك الآلاف ممّن يرفضون العودة إلى مناطقهم، بالرغم من سريان مفعول الاتفاق وصموده، ولو شكلياً، طيلة هذه الأسابيع، ويفضّلون البقاء في الخيم، على التهجير والنزوح مرة أخرى، فيما لو خرق النظام الاتفاق واستأنف حملته العسكرية.
تقول فاطمة الشحود، وهي نازحة في مخيم أطمة الحدودي: "أخشى أن أعود إلى منزلي، ثم اضطر إلى العودة إلى المخيّم مرة أخرى. في حال جرى خرق الهدنة، لن أكون قادرة على أن أحصل على خيمة، ولا يمكنني الوثوق بالنظام ووعوده. فيمكن أن يخرق الاتفاق ويمطر المنطقة بالقذائف، وإذا اقتحم المنطقة يمكن أن أخسر أحد أفراد عائلتي".
وتضيف: "نواجه ظروفاً معيشية صعبة، هنا في المخيم، لم نعتد عليها، لكنّنا لا نملك خياراً آخر. أرغب في العودة إلى منزلي. هناك، على الأقلّ، يمكنني أن أشعر بأنّني إنسان طبيعي. أتمنى أن يكون الأمر قريباً".
وكانت الأمم المتحدة قد حذّرت من وقوع كارثة إنسانية، بسبب الحملة العسكرية الأخيرة، التي شنّها النظام السوري للسيطرة على طريق "إم 4" الذي يربط بين محافظتي حلب واللاّذقية، والطريق الدولي بين حلب ودمشق، "إم 5"، والتي تسبّبت بنزوح قرابة المليون مدني من سكّان المنطقة، توجّه معظمهم إلى الحدود مع تركيا.