حسن "الغارسون"... طفل فلسطيني أصرّ على مساعدة والده قبل أن يصير مهندساً

21 أكتوبر 2017
ضحكة أمل (محمد الحجار)
+ الخط -
ما زال الطفل حسن صغيراً، إلا أنه أصرّ على مساعدة والده في العمل لأنه صديقه، من دون أن يؤثر ذلك على دراسته، وقد أسر قلوب الغزيين على كورنيش البحر

في ساعات الصباح الأولى، يستيقظ حسن ويستعد للذهاب إلى مدرسته التي يحبها ويمرح فيها مع أصدقائه، ثم يعود إلى منزله لتناول وجبة الغداء والدراسة. هذا لا يعني أنه سينام بعد قليل، إذ إن نهاره لم ينته بعد، وعليه تجهيز نفسه ليتحوّل إلى "الطفل الغارسون (النادل)" على كورنيش البحر. يرتدي قميصاً أبيض اللون مع ربطة عنق صغيرة وبنطال أسود، ويبدأ عمله عصراً ويعود إلى بيته عند منتصف الليل.

حين بدأ العمل، أصرّ حسن (11 عاماً) على أن يكون طفلاً مميّزاً على كورنيش منطقة السودانية شمال قطاع غزة. يرتدي ثياب النادل، ويساعد والده الذي يملك كشكاً يبيع فيه المشروبات والشطائر. ويفضّل عدد كبير من الزبائن الشراء منه والجلوس على مقربة من كشك والده، علماً بأنّ الشاطئ مليء بالأكشاك. ويعدّ البحر وجهة للغزيّين كونه المتنفّس الوحيد لديهم.

عمل والد حسن علي أبو عبيد (42 عاماً) حدّاداً لأكثر من 15 عاماً، حين كان يسكن في مخيم الشاطئ. لكنّ المهنة لم تعد تدرّ عليه المال منذ بدء الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة. بالتالي، لم يتمكّن من الاستمرار في عمله، وبدأ يفكر في بديل إذ لا فائدة من الانتظار. فكّر في افتتاح كشك، وهذا ما حصل قبل نحو أربع سنوات.

لدى حسن ثلاث شقيقات، وتجمعه علاقة قوية مع والده، الذي يعدّه صديقه وليس ابنه. يقول الوالد لـ "العربي الجديد": "حسن يساعدني لأنّه يرغب في ذلك بشدة. اختار أن يرافقني بدلاً من اللعب في الشارع، ليكتفي باللعب مع زملائه في المدرسة". يضيف أنّه "عرف بأزمتنا الاقتصادية في البيت، وأراد أن يصير رجلاً. ذلك اليوم قبل خمس سنوات، حين سألني لماذا ليس له شقيق، قررت أن أصير صديقه. وهو اليوم يلتزم بهذه الصداقة".




يومياً، يحصل والد حسن من عمله في الكشك على نحو عشرة دولارات، وهو مبلغ لا يكفي الأسرة التي تعيش في منزل بالإيجار على مقربة من مخيم الشاطئ. يضيف والد حسن: "أشفق على جيل حسن بسبب هذه الظروف الصعبة التي نعيشها ويعيشونها معنا. مصيرهم مجهول، ولا أمل يعيشون عليه. بالكاد يلعبون، وما من أماكن ترفيهية. من الطبيعي أن يشعر الجميع بأن أطفالنا كبار منذ طفولتهم".

ويلفت والد حسن إلى أن عمل ابنه لم يؤثّر على دراسته، موضحاً أنه بات أكثر وعياً، هو الذي يحرص على الاختلاط مع الزبائن، الذين يتحدثون إليه عن خبراتهم في الحياة. في بعض الأحيان، يخبرهم عن دروسه ويساعدونه فيها. يحصل حسن على معدل جيد جداً. وفي العام الماضي، حصل على معدّل 85 في المائة. في الوقت الحالي، يدّخر المال الذي يعطيه إياه والده، إذ ينوي شراء هاتف نقال خلال الأشهر المقبلة.

يقول حسن لـ "العربي الجديد": "أحب مساعدة والدي لأنه يحبّني، وليس له أشقاء يساعدونه. في الوقت نفسه، أحرص على إتمام واجباتي المدرسية التي تستغرق نحو ساعتين تقريباً. أما الدروس الصعبة، مثل العلوم، فأعطيها وقتاً إضافياً يوم العطلة".

وعن االثياب التي يرتديها، يوضح حسن أنه عرفها من الأفلام. حين بدأ العمل، ظنّ أن جميع الذين يعملون على كورنيش البحر يرتدون ثياب النادل، رغم أن والده أخبره أنه ما من داع لها. إلا أن إصرار حسن دفع والده إلى شرائها له. اليوم، يطلق عليه الجميع لقب "الغارسون"، وهو يشعر بالسعادة حين يتحدثون إليه.

يخجل حسن من أن يراه أحد من زملائه في المدرسة خلال العمل، لأنهم سيظنونه بائعاً متسولاً، وهو يخشى أن يجرحه أحد بأي كلمة، خصوصاً أن لا أحد من زملائه أو أصدقائه في فصله يعمل. ويذكر أن مدرّساً رآه وهو يبيع على الكورنيش، وفي اليوم التالي أحضره إلى غرفة المدرّسين، وسأله عن تفاصيل حياته لأنه تلميذ متفوّق في الفصل. بعدها، هنأه على خياره، مشيراً إلى أن تجربته قد تكون مثالاً يحتذى به.



يضيف حسن أن بعض الزبائن لا يحبون شرب القهوة أو الشاي، إلا أنه يحضرها لهم. يناديه كثيرون "باش مهندس" لأنه يريد أن يصير مهندساً معمارياً حين يكبر. ويشير إلى أنه متفوّق في مادة الرياضيات التي يحبها كثيراً.

تجدر الإشارة إلى أنه بحسب تقرير للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، الصادر في إبريل/نيسان الماضي، عن واقع حقوق الطفل الفلسطيني في عام 2016، فقد بلغت نسبة الأطفال العاملين (ما بين 10 و14 عاماً) 1.7 في المائة في عام 2016، في وقت كانت فيه 2.1 في المائة في عام 2012. وتزيد النسبة في قطاع غزة بالمقارنة مع الضفة الغربية بـ 0.5 في المائة. أما الفئة العمرية ما بين 15 و17 عاماً، فقد بلغت 7.8 في المائة في عام 2016، في حين كانت 7.7 في المائة في عام 2012.
المساهمون