عاملات تونسيّات بلا حقوق

30 أكتوبر 2015
أحياناً تعمل طيلة الأسبوع (فرانس برس)
+ الخط -

خلال الأسابيع الأخيرة، بدا أن التونسيين مهتمون بمتابعة مجريات المفاوضات المتعلقة بزيادة الأجور في القطاع الخاص، بين الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف. زيادةٌ يفترض أن تنسحب على آلاف العاملات في القطاع الخاص، اللواتي يتمتعن بحقوقهن. في المقابل، فإن عدداً كبيراً منهنّ لن تشملهنّ هذه الزيادات لو حصلت، لأنهن ببساطة مجرّد عاملات لا يمثلن رقماً في المعادلة، ولا تشملهن سجلات الإحصائيات، في ظل عدم وجود أي عقود بينهن وبين أصحاب العمل.

وتبلغ نسبة الأجيرات أكثر من 75 في المائة من النساء. وهؤلاء كادحات يعملن كما الرجال. ويبدو أن المرجعية الدستورية التي أقرّت المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، بالإضافة إلى المرجعيات التشريعية التي رفضت استغلال المرأة اقتصادياً، لم تشكّل حافزاً لتحسين الوضع الاجتماعي للمرأة العاملة في تونس، ولم تحل دون تهميشها واستغلالها. ويجمع عدد من الخبراء والناشطين في المجتمع المدني أن العاملات في تونس، كنّ خلال السنوات الأربع الماضية، الأكثر عرضة للاستغلال في المجتمع، وقد طُردت آلاف العاملات من القطاع الخاص بصورة غير قانونية.

في السياق، تشير إحصائيات اتحاد الشغل إلى أن نسبة النساء العاملات في القطاع الخاص، اللواتي تعرضن للطرد غير القانوني خلال السنوات الأخيرة، بلغت أكثر من 27 في المائة، إما نتيجة توقف المؤسسات عن العمل من دون إعطاء العاملات حقوقهن، أو لأسباب أخرى. ويشدّد على أن "مظاهر العنف ضد المرأة في تونس تتجلى أيضاً في مكان العمل، إذ تعاني المرأة العاملة من التهميش والاضطهاد"، لافتاً إلى زيادة العنف الاقتصادي ضد النساء.
تعمل مفيدة في مصنع للسيارات في العاصمة منذ أكثر من خمس سنوات من دون تغطية اجتماعية أو عقد عمل. تقول إنها تخشى المطالبة بحقوقها فتطرد من وظيفتها. لذلك، لا خيار لها سوى الصمت لتحافظ على مورد رزقها. تضيف أن كثيرات سبقنها وحاولن الحصول ولو على جزء بسيط من حقوقهن، لكنهن طُردن.

اقرأ أيضاً: لجنة تونسيّة للمساواة بين النساء والرجال في الإدارة

من جهتها، تعمل حبيبة في معمل للخياطة منذ نحو أربع سنوات، من دون عقد عمل أو تأمين صحي، لنحو تسع ساعات يومياً. أحياناً، تضطر للعمل سبعة أيام في الأسبوع من دون أي راحة. مع ذلك، خوفها من أن تطرد يجعلها تصمت عن المطالبة بحقوقها، حالها حال آلاف العاملات.
وكانت جمعية النساء الديموقراطيات قد أكدت أكثر من مرة أن عاملات القطاع الفلاحي يعانين من ظروف صعبة، ويعملن أكثر من 12 ساعة يومياً لتأمين احتياجات أسرهن، وتوفير مسكن لائق، علماً أنه يصعب تحقيق هذا الهدف لدى 75 في المائة من المستطلعة آرائهن.
بدوره، أشار المنتدى الاقتصادي والاجتماعي في دراسة عن العاملات في قطاع النسيج، إلى أن 90 في المائة من العاملات في مصانع النسيج يحصلن على أجر لا يتناسب وعملهن.

في السياق، يقول رئيس المنتدى عبد الرحمان الهذيلي لـ "العربي الجديد" إن "13 في المائة من المؤسسات لا تلتزم بأي صيغ قانونية مع العاملات لديها". في الوقت نفسه، يشير إلى أن غالبية عقود العمل تكون مكتوبة باللغة الفرنسية، علماً أن 90 في المائة من العاملات غير قادرات على فهم المحتوى.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه العقود تتضمن خمسة فصول تحدد واجبات العامل من دون أي إشارة للحقوق التي يتمتع بها، والتي ينص عليها قانون العمل. كذلك، عادة ما يحصلن على رواتبهن من دون التوقيع على أي وثائق، بالإضافة إلى عدم التسجيل في الضمان الاجتماعي.
ونتيجة لقرار سياسي في الثمانينيات هدف إلى تأمين مدخول للفئات الاجتماعية معدومة الدخل، كان هناك توجه نحو قطاع الحظائر الذي استعان بالنساء. ولا تتجاوز أجور العاملات في الغالب 120 ديناراً (نحو 60 دولاراً). واعتمد القطاع عقود عمل تحدد بفترة زمنية منعاً لتثبيت العاملات، بالإضافة إلى غياب التغطية الاجتماعية والصحية، ما يعني أن العاملات يعانين في ظل عدم تسوية أوضاعهن القانونية، كما أنهن أكثر عرضة للطرد إذا ما اعترضن على ظروف عملهن القاسية، ما يجبرهن على القبول.

إلى ذلك، يشير الهذيلي إلى أن "ما تتعرض له المرأة اليوم من استغلال في مثل هذه القطاعات، يعود إلى هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للعاملات، والذي يجعلهن في موقع استغلال من قبل أصحاب المصانع أو أرباب العمل، بالإضافة إلى غياب الرقابة خلال السنوات الأخيرة".

اقرأ أيضاً: عاملات المناولة في تونس أنامل أنهكتها المعاناة
المساهمون