يوم أصبحت سورية خلفي

13 اغسطس 2015
قبل المغادرة، كنت أتأمل كل شيء (العربي الجديد)
+ الخط -

قرّر عبد القادر (23 عاماً) الخروج من حلب نهائياً. توجه إلى معبر باب الهوى الحدودي ليصل إلى الأراضي التركية في نهاية أغسطس/آب عام 2014. يقول: "في الأيام الأخيرة، كنت أتأمل كل شيء وكأنني أراه للمرة الأخيرة. في ذلك اليوم، تحركت السيارة من دون أن تفارق عيناي وجه أمي. كانت عيناها غارقتين بالدموع وهي تودعني. سلكنا طريق خناصر شريان حلب الوحيد. كنت متوتراً طوال الوقت، إذ أن أكثر من خمسين حاجزاً للنظام اعتادوا ابتزاز السائقين بهدف الحصول على رشاوى. حينها، رأيتُ سورية ممزقة، وأطفال مسلحون على نقاط التفتيش، وأسلحة تباع كالخضار على الأرصفة، وسيارات من دون لوحات تجوب الشوارع. رأيتُ لافتة معبر باب الهوى. في تلك اللحظة، أصبحت سورية خلف ظهري، ولم أستطع منع نفسي من البكاء".

مثل جميع المهاجرين غير الشرعيين من تركيا، قصد عبد القادر مدينة أزمير، بعدما عزم على اللجوء إلى هولندا، وقرر السفر بحراً بواسطة "البلم" أو القارب المطاطي. قطع ورفاقه طريقاً وعراً للوصول إلى أحد الشواطئ النائية جنوب المدينة. بدأ القارب بالإبحار وعلى متنه 25 شخصاً. يقول: "لم نكن نميز البحر من السماء لشدة الظلام. كنت أشعر أنني أرخص إنسان في العالم. بعدها، نقلنا خفر السواحل اليوناني إلى باخرة كبيرة، ووضعنا في مخزن السفينة. كنت منهكاً ونمت على الأرض".

انتهت الإجراءات القانونية في جزيرة ساموس اليونانية، وتوجه عبد القادر بعدها إلى أثينا. هناك، قضى عشرين يوماً. يقول: "لم يكن لدي ما أخسره. لا أملك إلا محفظتي وملابسي. العالم الواسع كان مفتوحاً أمامي"، وقرر أن يسلك الطريق البري وحيداً.

استقل عبد القادر قطاراً إلى صربيا، واختبأ لسبع ساعات متواصلة في مساحة صغيرة تحت مقاعد الركاب. يقول: "لم يكن بيني وبين الركاب الجالسين إلا سنتيمترات عدة. أي حركة صغيرة كانت لتكشفني أمام الركاب. اجتزت مقدونيا ووصلت إلى بلغراد. خرجت من مخبئي حين فرغ القطار من الركاب". بعدها، توجه إلى شمال البلاد وقطع الحدود بين صربيا والمجر سيراً على الأقدام. يقول: "كنت أعبر الغابة وحدي. وكنت أحدد المواقع الجغرافية من خلال هاتفي".

قطار آخر أوصل عبد القادر إلى فيينا عاصمة النمسا، حيث تقدم بطلب لجوء. يقول: "سحرتني هذه المدينة بجمالها، وقررت البقاء فيها وعدلت عن الذهاب إلى هولندا. لا بد لسورية أن تتعافى يوماً ما. حينها سأعود إليها حتماً".

اقرأ أيضاً: عصابات التهريب تستبدّ بالفارين من جحيم الحروب
المساهمون