في البلدان التي يكثر فيها الأجانب، سواء أكانوا لاجئين أم غير ذلك، فإنّ الزواج المختلط يكثر تلقائياً بين أبناء الجنسيات المختلفة، بنسب متفاوتة. ويخضع ذلك لعوامل اجتماعية متعددة. هكذا هي الحال في تركيا
تصدّرت السوريات، للعام الثاني على التوالي، قائمة النساء الأجنبيات اللواتي تزوّجنَ من رجال أتراك في عام 2018، في حين حلّت الأذربيجانيات في المرتبة الثانية والألمانيات في الثالثة، بحسب ما أفادت دراسة أعدّها المكتب المركزي للإحصاء والدراسات السكانية في تركيا نُشرت نتائجها قبل أيام قليلة. ووصل عدد النساء السوريات المتزوجات من رجال أتراك إلى نحو 23 ألفاً، أي بنسبة 15.7 في المائة من بين الزوجات الأجنبيات. أمّا الأذربيجانيات فبلغت نسبتهنّ 13.9 في المائة والألمانيات 10 في المائة.وأوضحت نتائج دراسة المكتب أنّ نسبة زيجات الرجال الأتراك من نساء أجنبيات بلغت 4.1 في المائة من مجموع الزيجات في تركيا لعام 2018، أمّا نسبة زيجات النساء التركيات من رجال أجانب فبلغت 0.7 في المائة من مجموع الزيجات. وقد حلّ السوريون في المرتبة الثانية بعد الألمان، في قائمة الرجال الأجانب الذين تزوّجوا بنساء تركيات، مع نحو 4800 سوري، أي بنسبة 13.1 في المائة من بين الأزواج الأجانب. يُذكر أنّ نسبة الألمان بلغت 34 في المائة.
يقول المحلل التركي إسلام أوزجان لـ"العربي الجديد" إنّ "الأتراك فضّلوا الزوجات السوريات (من بين الأجنبيات) وفق هذه الإحصائية بسبب عدد السوريين الكبير الذي لجأ إلى تركيا منذ اندلاع الحرب في عام 2011، والذين قدّر عددهم المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن بنحو 3.5 ملايين سوري". يضيف أوزجان أنّه "من أسباب اختيار الأتراك زوجات سوريات تشابه العادات والتزام السوريات بالصدق والتقاليد الإسلامية". ويتابع أوزجان أنّ "الإحصاءات أغفلت الزواج الثاني في تركيا، فلا أرقام حول الأتراك الذين تزوّجوا سوريات وهم متزوّجون في الأساس"، لافتاً إلى أنّ "الزواج الثاني سوف يؤدّي إلى مشاكل في المجتمع التركي، وهذا أمر أشارت إليه دراسات في عام 2017".
من جهتها، تعيد الباحثة السورية هند عقيلي أسباب زواج الأتراك بالسوريات إلى "تشابه العادات وميل الأتراك إلى المرأة الملتزمة دينياً. قريباتي على سبيل المثال تزوّجنَ من أتراك". وتشير في حديثها إلى "العربي الجديد" إلى "تفاوت في نسبة الذكور والإناث في سورية، بعد مقتل شبان كثيرين خلال الحرب وهجرة كثيرين، الأمر الذي جعل الشابة السورية تخفّض سقف مطالبها، خصوصاً المالية منها، وهذا سبب مهمّ وعامل إضافي جاذب للأتراك". وعقيلي التي ترأس فريق "اللمة السورية" التطوّعي الذي نظّم في خلال العام الماضي مشروع زواج جماعي للسوريين، تعلّق على موضوع الزواج الثاني موضحة أنّ "القانون التركي لا يسمح بزواج ثانٍ، لذا فإنّه قليل جداً في إسطنبول وأنقرة، لكنّه ينتشر في المدن الحدودية مثل أنطاكيا وغازي عنتاب ومرسين ويتمّ وفق عقد شرعي، أي زواج عند الشيخ، من دون توثيقه في المحاكم".
في سياق متصل، يتحدّث مراقبون لـ"العربي الجديد" عن "استمرار التدهور في الوضع المعيشي والغلاء، خصوصاً بعد وصول اللاجئين العرب إلى تركيا الذين يزيد عددهم عن خمسة ملايين لاجئ من سورية ومصر واليمن وليبيا والعراق، من شأنه أن يؤخّر سنّ الزواج ويحدّد النسل". يُذكر أنّ تركيا تعرف نموّاً بطيئاً في عدد السكان، بعد تراجع نسبة الزواج خلال السنوات الأخيرة وارتفاع نسبة الطلاق وكذلك العزوف عن الزواج، الأمر الذي دفع حكومة "العدالة والتنمية" إلى تغيير بعض السياسات والقوانين القديمة وتشجيع المقبلين على الزواج والمتزوّجين وتقديم تسهيلات لهم وصلت إلى حدّ المساعدات المالية، خصوصاً عند إنجاب أكثر من ولد واحد. ويحمّل متخصصون الوضع المالي للأتراك مسؤولية تأخّرهم في الزواج أو حتى إنجابهم ولداً واحداً، الأمر الذي أدّى إلى تراجع نسبة الأطفال في المجتمع التركي إلى نحو 29 في المائة من مجموع السكان في العام الماضي، بينما كانت نحو 45 في المائة في عام 1935 و31.5 في المائة في عام 2008.
تجدر الإشارة إلى أنّ عام 2017 شهد بحسب المكتب المركزي للإحصاء والدراسات السكانية في تركيا ارتفاعاً في زواج الأتراك من الأجنبيات، وفي مقدّمتهنّ السوريات بنسبة 19.4 في المائة من الزوجات الأجنبيات، تليهنّ الأذربيجانيات بنسبة 13.3 في المائة ثمّ الألمانيات بنسبة 12.4 في المائة. في المقابل، بلغ عدد الأزواج الأجانب في تركيا في عام 2017 نحو ثلاثة آلاف و782 زوجاً، ما يُمثّل 0.7 في المائة من إجمالي عدد الأزواج. وقد تصدّر الألمان القائمة بنسبة 36.5 في المائة من الأزواج الأجانب، يليهم السوريون بنسبة 8.5 في المائة ثمّ النمساويون بنسبة ثمانية في المائة.