مقهى "الهموز" لا يشيخ

22 مارس 2015
لم يتخل عن الركوة النحاسية (إسراء غوراني)
+ الخط -

داخل مقهى الهموز الواقع في شارع الشويترة، أحد أقدم وأعرق الشوارع في مدينة نابلس في الضفة الغربية، يجلس مواطنون إلى طاولاتهم المعتادة، ويلعبون الورق والنرد وغيرها. كأنهم يهربون من هموم الحياة. لكنهم لم يسلموا تماماً منها. تُلاحقهم بعض أخبار العالم العربي المأساوية من خلال شاشة كبيرة علقت في المكان.

مرّت سنوات طويلة على افتتاحه. مع ذلك، ما زال على حاله. افتتح عام 1892 وعايش الحكم العثماني والانتداب البريطاني ومختلف المراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية. عام 1940، استولى الإنكليز على المقهى وحولوه إلى ثكنة عسكرية لمدة عامين، قبل أن يتمكن القائمون عليه من استعادته. ولطالما قصدت المقهى شخصيات نافذة.

خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت عام 1987، كان المقهى بمثابة مركز اجتماعات للشباب والمناضلين. كانوا يناقشون آليات توزيع المنشورات ضد الاحتلال وتنظيم التظاهرات، كما يروي حفيد مؤسس المقهى أيمن الهموز. أما ماهر طقطوق، الذي تولّى إدارة المقهى بعد وفاة والده الذي عمل فيه مدّة 25 عاماً، فيقول إن اسم مقهى الطرابيش هو الأكثر تعبيراً عن شكل المقهى في فترة إنشائه. إذ كانت ترتاده الشخصيات النافذة والباشوات من نابلس وغيرها من المدن الفلسطينية.

طقطوق الذي يجد متعة في عمله، يقول إن استمراره في المقهى هو بمثابة تخليد لذكرى والده، الذي كان يحب عمله في المقهى ويحفظ تاريخه. يضيف أن القهوة ما زالت تحافظ على تراثها "نعدّ القهوة في ركوة نحاسية، كانت تستخدم قديما لغليها". ويلفت إلى أن الزبائن يستمتعون بالنظر إلى القهوة في هذه الأواني التي تعبّر عن عراقة المكان.

من جهته، يقول أبو خالد الذي اعتاد ارتياد المقهى بشكل يومي منذ عقود، إنه بات يشعر بالانتماء إلى هذا المقهى. يضيف أنه لم يخسر زبائنه على الرغم من كثرة المقاهي ذات الطابع الغربي. ويوضح أن هذا المقهى يمتاز عن غيره بسبب كثرة زبائنه. اليوم يرتاده أهالي نابلس من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية، مؤكداً أن زبائنه ليسوا من كبار السن فقط.

بالإضافة إلى حفاظهم على التراث، سعى القائمون على المقهى إلى مواكبة احتياجات العصر. وضعوا تلفازاً كبيراً لنقل مباريات كرة القدم. وخلال كأس العالم، عادة ما يكون المقهى مزدحماً. كذلك، اشتركوا بخدمة الإنترنت، حتى صار يقصده كثير من الشباب للدراسة.

أما أبو فتحي، الذي يرتاد المقهى بشكل شبه يومي منذ منتصف التسعينيات، فيقول لـ "العربي الجديد": "منذ رجوعي إلى أرض الوطن عام 1996، وأنا أحرص على ارتياد هذا المقهى. أجد فيه بعضاً من تراث مدينتي وأجدادي". وعادة ما يلتقي بأصدقائه فيه. يقول إنه "مكان هادئ يلتزم رواده بالجلوس في الأماكن العامة، ولا يعتدون على حرية غيرهم أو يسيئون التصرّف".

في السابق، كان المقهى يضم مسرحاً اعتاد استضافة عدد كبير من الممثلين لعرض أحدث المسرحيات الي كانت تلقى إقبالاً جماهيرياً. أكثر من ذلك، لطالما استضاف مطربي "الزمن الجميل"، على غرار فريد الأطرش وأسمهان. يقول الهموز إن الناس كانت تحب حضور الحفلات من حين إلى آخر. ما يميز "الهموز" عن غيره من المقاهي التقليدية، هو توفيره المشروبات الباردة والساخنة على مختلف أنواعها. في فصل الشتاء، عادة ما يقدم القهوة والشاي والزهورات، بالإضافة إلى السحلب والإينر، وهو من أشهر المشروبات الشتوية في مدينة نابلس، والتي يتناولها النابلسيون بكثيرة، وخصوصاً أنه يشعرهم بالدفء.

وفي فصل الصيف، يحرص المقهى على تقديم قائمة منوعة من المشروبات الباردة، على غرار عصير الليمون، وعصائر الفواكه الطبيعية الباردة أو المثلجة. ويجد زبائن المقهى كل ما يطلبونه بحسب طقطوق. ولم ينسَ توفير النرجيلة التي هي جزء لا يتجزأ من المقهى. يطلبها كثير من رواد المقهى، وخصوصاً أولئك الذين يقضون ساعات طويلة فيه للتسامر أو لعب الورق أو غير ذلك.

ويلفت طقطوق إلى أن عدد رواد المقهى يصل إلى نحو 150 شخصا في اليوم في فصل الشتاء، في مقابل نحو 300 شخص في الصيف، ويزداد الرقم خلال مباريات كرة القدم. ويعد المقهى قبلة لزائري مدينة نابلس والسياح من مختلف المدن. ويأتي هؤلاء بهدف التعرف إليه وعلى تاريخه، وخصوصاً أن عمره يزيد على الـ 120 عاماً. مع ذلك، ما زال يحتفظ برونقه ومكانته، على الرغم من مرور أكثر من قرن على إنشائه.
دلالات