لعلّ الكثيرين منّا يستغربون هذا العنوان أو يجهلون أنّ للطيور في ما بينها قواعد أمنية وخطوطاً حمراء لا يجب تخطّيها. ففي قانون الحماية نذكر على سبيل المثال الزرازير التي تطير على شكل رفوف كبيرة أو كتل تقوم بتشكيلات جوية متراصة الأفراد تساعدها على حماية أنفسها من الأعداء الطبيعيين، كالجوارح مثلاً. وهذا يعني أن الطيور الجارحة ممنوعة من اصطيادها لأن كل محاولة من طائر جارح لاختراق التشكيل سيؤدي إلى اصطدام قد يكسر جناح الطائر الجارح قبل أن يوفق بهجومه على التشكيل. على الرغم من ذلك، فإنّ طيوراً جارحة شديدة الجوع أو قليلة الخبرة قد تقحم نفسها في مغامرة اصطياد ولو زرزور واحد، إلا أن الكثرة العددية للزرازير تخلط الأمر على الجوارح من الطير وتسلبها قدرة التركيز.
لذلك، يمنع على الطيور الجارحة القيام بمغامرة اقتحام تشكيلات الزرازير السحرية لأنها غير آمنة. وهناك قانون عدم التفرد بالطعام لدى النسور التي تتغذى على الجيف، ذلك لأن النسر عندما يرى أو يشم رائحة حيوان نافق يعطي الإشارة إلى رفاقه في السماء كي ينزلوا معه إلى الجيفة. وعندما تجتمع النسور حول الوليمة فإنها تأكل منها كلّ بدوره، وبعد أن يخف الجوع عند النسور المجتمعة، فلا مانع من أن تواصل طعامها مجتمعة من دون الوقوف بالصف أو الطابور.
أما العصافير المغرّدة، فلديها قانون عدم الاعتداء على الممتلكات والأراضي، وهذا يعني أنّ الطيور المغردة تحدد لنفسها استعمال أصوات وغناء ونداءات تمنع الغير من الدخول إليها، خصوصاً خلال التزاوج. وإذا ما دخل أحد إلى المنطقة، يقوم العصفور صاحب الأرض بمطاردته حتى يخرج من الحدود. وهذا ما تفعله الغربان عندما يمرّ عقاب أو باشق أو صقر في مناطقها، فإنها تطير إليه ضمن مجموعة لإخافته وتقوم بإزعاجه بمهاجمته خوفاً على صغارها منه حتى يغادر المنطقة، علماً أن مغادرته لمنطقة الغربان لا تكون بسبب خوفه منها بل تكون نتيجة الوثوق بالنفس واليقين بأن قتلها لن يفيده بشيء بل سيفقده طاقته التي هو بحاجة إليها إما للسفر أو لاصطياد الفريسة المحببة لديه.
وهناك قانون الهيمنة الشتوية، حيث تتجمع الطيور من النوع نفسه على أغصان الأشجار، حيث تكون الهيمنة للأعلى الذي يزعج الأدنى بنقره ويقوم الأخير بنقر من هو أدنى منه، فتتشكل بذلك هرمية تكون فيها الأولوية في أفضل الطعام والشراب والشريك للأعلى. هذا القانون يساعد أيضاً جميع أفراد المجموعة على تناول الغذاء بالدور ومن دون تنافس في ما بينها. وهناك الغريزة للتعرف على الأعداء الطبيعيين، ونجد بعض الأنواع ترتعد لرؤية الأفعى الأرجوانية مثلاً، المعروف عنها التهام فراخ العصافير، وذلك منذ المشاهدة الأولى لهذه الأفعى من قبل العصافير. بل إن الأنواع هذه ترتعد لدى مجرد رؤيتها لعصا نقشت عليها صورة للأفعى الأرجوانية التي لم ترها من قبل. هذه القاعدة الغريزية تلعب دوراً ليس فقط في التعرف على أعدائها، بل أيضاً في التعرف على غذائها المفيد لها. أما قاعدة وجود عدة أنواع من الطيور في الموئل نفسه أو السكن فيحكمها قانون التنوع في المأكل والمشرب والسكن، أي أنه لا يجوز لنوعين من الطيور أو أكثر الوجود في المكان نفسه إذا كان غذاؤهما هو نفسه أو كانت مستلزمات بيئتهما هي نفسها.
الصقر والبومة يأكلان أنواع الفئران نفسها لكنّهما لا يوجدان في المكان نفسه والفترة الزمنية نفسها، بل يتناوبان على المكان نفسه، إذ يتولى الصقر اصطياد الفئران نهاراً وتقوم البومة بالعمل نفسه ليلاً. كما لا يمكن لنوعين يأكلان الحشرات على سبيل المثال من على سطح ورقة الشجر العلوي أن يوجدا معاً، بينما يمكن لهما أن يوجدا على الورقة نفسها حيث يأكل أحدهما الحشرات التي تكون على السطح العلوي، كالهازجة، بينما يتناول الآخر الحشرات التي تعيش على السطح السفلي لها، مثل القرقف، الأمر الذي يمنع المنافسة أو العراك من أجل الغذاء. وهناك أنواع من الطيور التي تحمي نفسها من الأعداء الطبيعيين باللجوء إلى قاعدة الحماية من قبل الزعيم، إذ تقوم ببناء عشها قرب طائر قوي وكبير، كالدوري الإسباني، الذي يحرص على حماية نفسه من الباشق ببناء عشه بين أغصان عش طائر اللقلاق أو النسر أو العقاب. ويبقى أن نشير أخيراً وليس آخراً إلى أن الحماية عند بعض أنواع الطيور قد يحددها الاتحاد بين نوعين أو أكثر من أجل مجابهة العدو والدفاع عن الأرض.
*متخصص في علم الطيور البرية