يتامى روس ينتحرون

15 ابريل 2019
في أحد دور الأيتام (دميتري كوستيوكوف/ فرانس برس)
+ الخط -
في أحيان كثيرة، لا يتحمّل الأيتام الروس مرارة العيش من دون حب من الوالدين، ويفشلون في الاندماج في الحياة الاجتماعية وإيجاد وظيفة بعد خروجهم من دور الأيتام، فينتهي الحال بنحو 10 في المائة منهم بالانتحار، بحسب الإحصائيات. آخر الحوادث من هذا النوع التي لقيت صدى في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي الروسية، هي واقعة انتحار مراهق في الـ17 من عمره في فبراير/ شباط الماضي، وذلك قبل تخرجه من أحد دور الأيتام في مدينة ياروسلافل بثلاثة أشهر.

في هذا الإطار، تشير المعالجة النفسية، فيتا خولموغوروفا، إلى مجموعة من العوامل التي تؤدي إلى مثل هذه النتائج الكارثية، وفي مقدمتها عدم شعور الأيتام بقيمة الحياة طالما لم يحصلوا على حصّتهم من الحب. وتقول خولموغوروفا لـ"العربي الجديد": "هناك عامل إحصائي مفاده أنّ الأطفال الأكثر صحّة تتبناهم عائلات قبل تخرجهم من دور الأيتام. ولا يدخل ضمن إحصاء الخرّيجين سوى أولئك الذين يواجهون مشاكل أصلاً. هؤلاء واجهوا الرفض مرتين: حين تخلّت عنهم أمهاتهم وآباؤهم البيوليوجيون، وعندما رفضت عائلات أخرى تبنيهم مراراً، فأصبحوا أطفالاً من دون حب أو جذور".




وحول تأثير ذلك على نفسياتهم، تقول: "حين نحصل على حب من الأم، نتلقى رسالة مفادها: (أنا موجود وفريد ولي قيمة وأنا أستطيع). أما انعدام مثل هذه الأرضية، فيؤدي إلى نشوب مشاعر عدائية حيال العالم والضلوع في الجريمة. وعادة ما لا يشعر هؤلاء بالذنب، كونه نتيجة للحب. يقتصر فهمهم لما هو جيد وما هو سيئ على المعلومات النظرية فقط. وعلى عكس الأطفال الذين عاشوا في كنف عائلات، لا يشعر الأيتام بقيمة الحياة".

بحسب الأرقام الإحصائية الصادرة عن وزارة التعليم الروسية لعام 2018، فإن عدد الأطفال في دور الأيتام تراجع إلى أدنى مستوى في تاريخ روسيا الحديث، ليبلغ نحو 48 ألفاً، وذلك بتراجع نسبته أكثر من 50 في المائة خلال عشر سنوات، من دون أن يؤثر ذلك إيجاباً على أوضاع من لا يجدون لأنفسهم كفيلاً".

وبحسب تقديرات الوزارة، فإنّ تراجع عدد الأيتام يعود إلى تسهيل إجراءات التبني ومنح إعفاءات ضريبة للعائلات المتكفلة، وزيادة التوجه إلى تبني أطفال ذوي إعاقة. كما يناقش مجلس الدوما (النواب) الروسي حالياً مشروع قانون من شأنه السماح للمصابين بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) والفيروس سي، بتبني أطفال.

وعلى الرغم من أنّ دور الأيتام تتلقى تمويلاً هاماً من الحكومة ودعماً من المؤسسات الخيرية، كما أن القانون الفيدرالي ينص على توفير سكن للخريجين، إلا أن خولموغوروفا ترى أن اندماجهم في المجتمع يتطلب إصلاحاً كاملاً لتلك المنظومة. وتقول: "صحيح أن الوضع تحسن من ناحية التمويل، لكن حصول الطفل على عشرة ألعاب إضافية لن يعوض له حرمانه من الحب. دخل الأيتام إلى هذا العالم وكأنهم غرباء، فيجب أن يعمل المعالجون النفسيون مع المشرفين عليهم والأطفال أنفسهم على إيصال الشعور بالحب إليهم".

مع ذلك، لا تخلو منظومة دور الأيتام في روسيا من تجارب ناجحة، إذ تزيد نسبة اندماج الخريجين في المجتمع وسوق العمل عن 50 في المائة. تولت تاتيانا أليكسييفا الإشراف على أحد دور الأيتام الصغيرة في مقاطعة تولا، (نحو 200 كيلومتر جنوب موسكو)، لأربعة عقود، ولا تتذكر حالة انتحار واحدة خلالها.

وتقول أليكسييفا لـ"العربي الجديد": "في حال الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي، يندمج اليتامى في المجتمع من خلال الإقامة في سكن الطلاب ثمّ سكنهم الخاص، ثم العمل. وزادت نسبة هؤلاء عن 50 في المائة". وعن العوامل التي ساعدت في تحقيق مثل هذه النتائج الإيجابية، تضيف: "لم تكن دارنا نمطية، إذ إنها أنشئت في عام 1948 لإيواء الأطفال الذين قتل آباؤهم خلال الحرب العالمية الثانية، ثم تحولت إلى مأوى لأطفال فقدوا أهلهم لأسباب اجتماعية. تمكنّا من خلق أجواء تشبه المنزل والأسرة. بعد حصولهم على الشقق المستحقة لهم، يسعون للحفاظ على نظافتها أيضاً".




مع ذلك، تقرّ أليكسييفا بأن النصف الثاني من الأطفال يواجهون صعوبات في الاندماج في سوق العمل ويحتاجون إلى المساعدة وقد يحذون حذو آبائهم الذين يتبعون نمط حياة غير مقبول اجتماعياً. يذكر أن روسيا تعاني من ظاهرة خطيرة تتمثل بأن أهل غالبية اليتامى على قيد الحياة، لكنّهم عاجزون عن الاعتناء بهم أو حرموا من حقوقهم كوالدين بموجب قرارات قضائية لإدمانهم المخدرات والكحول.
دلالات
المساهمون