كذبة بلحية بيضاء

19 ديسمبر 2016
شجرة ميلاد (Getty)
+ الخط -
فليعلم الجميع، أغنياء وفقراء، أنه لا وجود للرجل صاحب اللحية البيضاء والبدلة الحمراء.
نعم، هذه هي الحقيقة المرّة التي اكتشفتها طفلاً، قبل أكثر من ثلاثة عقود. اكتشفتُ أنه شخصية مزيّفة، وأن أحد الأقارب كان يمثّل شخصية "بابا نويل" الأسطورية. ربما كان موجوداً قبل قرون مضت، لكن هذا لا يهمّ ولا يعفي أحداً من الكذبة.

كانت هذه من أكبر صدمات طفولتي، لأنني اعتبرتها كذبة. والكذب حرام، وغير مسموح به. وكان أهلي يُنزلون بي أشدّ العقوبات، إذا اكتشفوا كذبي. من ذلك، الحرمان من المصروف، أو عدم السماح لي باللعب في موقف البناية، وغيرها من العقوبات التي لا تندرج تحت البند السابع للأمم المتحدة. فكيف لي أن أتقبّل ذلك ممن عاقبني على أكاذيبي التافهة؟!

أجل إنهم يكذبون، ويُقيمون الطقوس من أجلها، ويحضّرون لها ميزانية، وكنت أسكتُ راضياً عن كذبهم. كان أهلي يشترون الهدايا ويضعونها تحت شجرة الميلاد المزيّنة بكرات حمراء وزينة برّاقة وإنارة لا تهدأ، وعند طرف السرير، وكما في القصص المصوّرة، يضعون جوارب صغيرة بالكاد تتّسع لكيس صغير من الشوكولاته. كل هذا الإتقان والاحتراف وأنا أتحمل تلك الكذبة "العالمية" من أجل هدية أعرف مسبقاً مَن أحضرها.

المزعج أكثر في الموضوع، أن من كان يسحب أموالك وأموالي وأموال أهلي، هو نفسه من يسوّق لفكرة "بابا نويل" بكل ثقة. يدفعون بدل خدمات لشخص كي يلبس الزي الأحمر (ربما رغماً عنه) تشبّهاً بصديقنا العجوز صاحب اللحية البيضاء، ويزيّنون المحلات بجميع أشكال الزينة. حتى المصارف وشركات التأمين، والملاهي الليلية، وباعة القهوة على الطريق، وكل من ليس له علاقة مباشرة بهذه المناسبة يلبس الأحمر ويحتفل.

الكل يحتفل بهذه المناسبة المخصصة في الأصل لأطفال الفقراء كما تروي الحكايات، أو كما يُعرض في الأفلام، إلا أولاد الفقراء أنفسهم. لا يعرف هؤلاء العيد إلا من خلال واجهات المتاجر وإعلانات الطرقات، وشاشات التلفزيون إذا وجد عند أهاليهم. يقيم الأطفال الفقراء طقوسهم الخاصة في أحلامهم، وهذه لا يقدر الباعة على تسعيرها.

مع اقتراب المناسبة، أعلنُ اليوم، مسامحة أهلي على تلك الكذبة "البيضاء"، تماماً مثلما سيسامحني أولادي في المستقبل! لأنني، وبصراحة، وكي أكون صادقاً مع نفسي، طبّقتها مع أولادي منذ سنوات، وسأستمر في ذلك. ولم أستعن بكتيّب تعليمات، فقد قلّدت أهلي. أحضرت الهدايا لأطفالي من دون علمهم، وسأزيّن الشجرة معهم إلى أن يكتشفوا، ذات يوم، ما اكتشفتهُ قبلهم بعقود. وإلى أن يحين ذلك، سنواصل تزيين الشجرة.

المساهمون