أول أيام حياتي في هذا العالم كان الأول من يونيو/ حزيران 1977، أربعون عاماً تقريباً، ونحو ثلاث سنوات منها فقط لم يكن قانون الطوارئ معمولاً به في مصر، ما يجعل حياتي كلها تقريباً طوارئ.
عندما ولدت كانت مصر تعيش في ظل الطوارئ منذ 10 سنوات، تم فرضها عام 1967 خلال الحرب مع الكيان الصهيوني التي انتهت بهزيمة ساحقة سميت "النكسة"، وكان نتيجتها احتلال شبه جزيرة سيناء.
عشت سنوات عمري الثلاث الأولى في ظل قانون الطوارئ، قبل أن يتم انهاؤه عام 1980، ليعاد فرضه مجدداً بعد 18 شهراً فقط، في أعقاب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في أكتوبر/تشرين الأول 1981.
ظلت الطوارئ مطبقة طيلة فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وهي الفترة الأطول من حياتي، نحو ثلاثين سنة متصلة، حتى أعلن عمر سليمان تنحّي مبارك عن الحكم للجيش في 11 فبراير/ شباط 2011.
وللحق، فإنه لا يمكن وصف أغلب سنوات حكم مبارك بأنها طوارئ. في السنوات الخمس الأخيرة من حكمه تحديداً، كنا نتمتع بقدر من الحرية، ربما يصلح لوصفه المثل الشعبي القائل إننا كمن "يؤذن في مالطا"، والذي يعني أن النظام يتيح للشعب مساحات لينتقد ما يشاء. كان البعض يطلق عليها نظرية "التنفيس"، بينما رأس النظام يفعل ما يشاء من فساد وإفساد، وتبعية للغرب، وتسول من دول الخليج، وتعاون وثيق مع إسرائيل، كما أنه يسير في خطته لتوريث الحكم إلى ابنه جمال مبارك.
بعد نحو تسعة أشهر من الحرية منذ فبراير/ شباط 2011، عادت الطوارئ مجدداً، إذ قرّر المجلس العسكري، الحاكم وقتها، فرضها في أعقاب اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة في سبتمر/ أيلول من نفس العام، واستمرت حتى تقرر إيقاف العمل بالقانون نهائياً يوم 31 مايو/ أيار 2012، بالتزامن مع انتخاب الرئيس المعزول محمد مرسي.
طيلة فترة حكم مرسي، والتي لم تتجاوز العام، لم يتم فرض قانون الطوارئ، على الرغم من أحداث كثيرة جرت، حتى حين تم الانقلاب على مرسي مطلع يوليو/ تموز 2013، لم تفرض حالة الطوارئ رسمياً، لكن مصر تعيش في طوارئ متواصلة منذ ذلك التاريخ، إذ يتمركز الجيش في بعض الشوارع والميادين الرئيسية، ويقوم النظام بكل الإجراءات القمعية والتعسفية بزعم الحفاظ على الأمن.
في منتصف أغسطس/ آب 2013، أعاد الرئيس المؤقت عدلي منصور، العمل بقانون الطوارئ، عقب مجزرة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، لكن شيئاً لم يختلف عما هو قائم في الأشهر الثلاثة التي سبقت عودة القانون، فالقمع على أشده بالطوارئ وبدونها، وحتى الآن.
المحصلة أنني، ومثلي ملايين المصريين، لا نعتبر الطوارئ واقعاً جديداً على حياتنا.