الزحف جنوباً

13 مايو 2019
التصحر مشكلة كبيرة في السودان (سيمون مارتيلي/ فرانس برس)
+ الخط -
ليست مصادفة أنّ آخر كتابين نشرتهما الجمعية السودانيّة لحماية البيئة يشتركان في أن كاتبيهما من الرعيل الأول من منسوبي الغابات، وأن يحمل أولهما عنوان "التصحر.. جريرة الإنسان ومحنته الكبرى" للأستاذ أبو القاسم سيف الدين، والثاني "تدهور غابات السودان.. أسبابه.. آثاره.. وإمكانات وقفه" للأستاذ محمد الأمين مختار.

التصحر قضيّة السودان الأولى، وقد ظلت الجمعية منذ عام 1975 تدعو للاعتراف بالأمر ومساعدة المجتمعات المتأثرة. وكانت من أوائل المؤسسات التي دقت ناقوس الخطر من خلال الفيلم الوثائقي "حكاية المتورت" عن التصحر فى جنوب دارفور، وما قد ينتج عنه من صراع، وقد صدقت النبوءة في ما بعد.

سبق كتابي هذا العام جهد التوثيق للمتأثرين بالتصحر في السفر القيّم لأستاذ الأجيال أحمد محمد سعد "أطلال تحت الرمال.. أم العودة إلى الغابة"، الذي نشرته الجمعية في عام 1997. لكن لكأنما امتد التصحر إلى نفوس متخذي القرار على مدى السنوات لتندفن تحت كثبان التجاهل واستسهال الأمر صرخات الإنذار، ونوايا المعالجات الإيجابية، وإمكان ملاحقة الآثار، ذلك مثلما اندفنت تماماً تحت كثبان الرمال الزاحفة مساحات كنا نصنفها حتى وقت قريب ضمن نطاقات السافانا الفقيرة والإقليم شبه الصحراوي.

والحال هكذا لم تخفت أصوات المنادين بالالتفات للأمر، ومن بين هؤلاء الأستاذان أبو القاسم ومحمد الأمين. ووجدا وسواهما في الجمعية بوتقة تنصهر فيها خبرات الأكاديميين، وأصحاب المعارف في كل مجال ذات صلة بالبيئة. وما كان لها أن تنجح في ذلك على الرغم من التضييق عليها لولا أن دوافع المنافحة عن قضايا البيئة كانت كبيرة بفضل الجهود بين الخبير المؤسس، والعالم المنتظم لاحقاً بالصفوف، ومجموعات المهتمين من أهل العلوم والاقتصاد والتربية، ودعاة التنمية المستدامة والإعلاميين، بل الشباب حديثي التكوين البيئي.

من الحقائق الواردة في الكتابين أن النقص السنوي في مساحة الغابات يصل إلى ستة آلاف من الكيلومترات المربعة، وأن من أسباب تدهور الغابات اعتماد غالبيّة السكان في استخدام الطاقة المنزلية من الحطب والفحم، إلى جانب الرعى الجائر، وتوسع الزراعة في أراضي الغابات والمراعي والحرائق وزحف المدن. وأدت هذه العوامل إلى تفكّك التربة وتعرضها إلى الانجراف المائي والهوائي، والتصحر الذي أدى إلى زحف الرمال على الأراضى الزراعية والغابات.




خلص الكاتبان إلى أن السودان الشمالي بات مهدّدداً بالفناء إذا لم تتسارع خطى تغطية الأراضي المتعرية، ووقف انفلات الزحف الصحراوي وتمدده جنوباً كل يوم. واعتبرا أن التصحر جريمة لأن الإنسان ينفق بسخاء على أنشطته الأخرى، كالتسلح، من دون تخصيص جزء يسير من تلك الأموال لمكافحة التصحر والاحتباس الحراري.

(متخصص في شؤون البيئة)
المساهمون