يا روحي عليه

11 أكتوبر 2016
كما ولد من واقعه وهواه (ديميتار ديلكوف/ فرانس برس)
+ الخط -
المحبّون كثر... اليوم هم هكذا، وكانوا كذلك سابقاً، وسيكونون على هذه الحال في المستقبل غالباً. مليارات التجارب في الحبّ منذ بزوغ البشرية. كلّ تجربة منها تشبه الأخرى، وتختلف في الوقت نفسه كما البصمات، أو كما الحمض النووي انسجاماً مع مصطلحات العصر واكتشافاته، ولا ثبات على قانون موحّد بعد.

الحبّ هو للروح والعشق للجسد. هكذا يفصل المصطلحين بعض الكتّاب الذين على تماس مع هذه الشحنة الهائلة من العواطف أو المشاعر أو الوحي. تلك الشحنة غير المعلومة إن كانت من داخل الجسد يتحكم بها، أم من خارجه تنطلق حرّة وحدها في فضاء تتوحد فيه مع شحنات أخرى، أو قبسات مثيلة أو مخالفة.

هل هو الروح أم العدم؟ هل هو الأزل والأبد أم الحاضر المنتهي في لحظته؟ هل هو القوة المخزونة في المكان والزمان وما بينهما؟ هل هو أضعف من كلّ شيء أم أقوى؟ هل هو وهم؟ وما الوهم؟ هل هو شيء يُلمس أو يُحسُّ أو يُشعر به؟ تلك تساؤلات يتطلب كلّ واحد منها الغوص طويلاً وعميقاً من نواتنا الأرضية وصولاً إلى ما وراء الأبعاد الكونية.

الحبّ في إجابة واقعية ليس هو الذي "يا روحي عليه" كما تقول كلمات مرسي جميل عزيز في "سيرة الحبّ" لأم كلثوم. ليس ذلك المثال القابع على عرش لا ينزل منزلتنا. ذلك المنزّه عن خوض الصدام بين المحبّين والمشاكل التي لا تنتهي بينهم. بل، على العكس، هو واقعنا طالما نؤمن بذلك. بل طالما نجرّب الحبّ من دون أن نطلق صفة نهائية عليه. فإن كان حقيقة فلا بدّ من ارتباطه بالواقع الاجتماعي. هكذا يكون حقيقة وممارسة وواقعاً لا بديل عن الخوض فيه مهما ابتعدنا عنه في لحظة كفر مثالية.

الحبّ هو تلك الروح التي لا تُرى. الحبّ هو ذلك الجسد الذي يُرى. بل الحبّ هو تلك الروح التي تُرى وتتجسد في كلّ واحد يختلف تماماً أو يماثل نظرة أخرى إليه. نظرة من محبٍّ آخر مثقل بعوامل اجتماعية وعوامل اقتصادية وعوامل سياسية وعوامل فكرية، ومحركات الغريزة والشهوة والمزاج والتعبير عن الذات والانعتاق من كلّ قيد أو الانقياد إلى كلّ أمر ومشيئة.

لا أحد يحبّ كالآخر. ولا توازن في حبّ إلاّ قسراً. والقسر خداع للذات -إن تحقق خداع الذات- أو انكسار طوعي أمام ما لا طاقة لنا على كسره، أو قدرة، أو قابلية، أو رغبة، أو نيّة في ذلك.

هو ذلك المتمرد على الذات في انقياده لها. وهو المنقاد إلى الذات في تمرّده عليها. هو ذلك المنقسم نصفين في أعلى تجلياته. نصفان لا غاية لأحدهما في تبديل الآخر أو تحقيق التوازن. كلّ منهما يحبّ الآخر كما ولد الحبّ من أجله. كما ولد من واقعه وهواه. وكلّ منهما وحدهما - منفصلين أم متصلين- هو الذي "يا روحي عليه" ولا حكم لأحد عليهما.

دلالات
المساهمون