اليوم الأخير لتلاميذ باكستان الـ 132

18 ديسمبر 2014
داخل إحدى غرف المدرسة بعد الهجوم (الأناضول)
+ الخط -
كان لدى عبد الله شاه (16 عاماً) امتحان في مادة الكيمياء أول من أمس. درس طوال الليل. فالامتحان صعب. كان عليه أن يبذل جهداً. عند الساعة الثالثة فجراً، ضبط المنبّه ونام. استيقظ عند الساعة السادسة صباحاً. لم يكن يعرف أن هذا اليوم سيكون الأخير في حياته. صلى الفجر وتناول فطوره. حمل كتابه وتوجه برفقة أخيه الصغير حسين شاه إلى المدرسة.

لكنهما قتلا قبل أن يحين موعد الامتحان، إثر مجزرة استهدفت مدرستهم التابعة للجيش الباكستاني، والواقعة في مدينة بيشاور شمال غرب البلاد. أكثر ما يؤلم الوالدة راضية بي بي أنها لم تودعهما لدى خروجهما من البيت. تقول: "كنت أعد الفطور لابنتي الصغيرة. قبل أن يغادرا، قال عبد الله وحسين: وداعاً أمي، أجبتهما وتمنيت للأول التوفيق في امتحانه من دون أن أخرج من المطبخ لأودعهما. كنت على يقين أنهما سيعودان بعد ساعات إلى المنزل، ولم أكن أدري أن الموت سيأخذهما على غفلة".

عند الساعة الحادية عشرة والنصف، هاتف حسين والدته وأخبرها أن مسلحين دخلوا المدرسة وبدأوا يطلقون النار على تلامذة صفه. كانت الأم تسمع دوي إطلاق النار قبل أن ينقطع الاتصال فجأة. على الفور، خرجت برفقة زوجها وأخيها متوجهة إلى المدرسة. بعدها، انتقلوا جميعاً للبحث عن الطفلين في المستشفيات، إلى أن عثروا على جثتيهما.

كان عبد الله يحلم أن يكون طبيباً، كما يقول خاله محمد رفيق. يضيف أنه كان طالباً مجتهداً ومتفوقاً. أما شقيقه، فكان يحلم أن يكون طياراً. تراه يرسم طائرات على دفاتره أو يصنع أخرى ورقية. لكن أحلامهما دفنت باكراً، وحرمت الوالدة من أن تفرح بهما.

في صباح اليوم نفسه، خرجت الإعلامية مديحة سنبل إلى مكتبها كعادتها. بعد قليل، عرفت أن هجوماً استهدف إحدى المدارس، لكنها لم تكن تتوقع أن يكون شقيقاها جل شير ومحمد ياسين بين القتلى. تقول: "توجهت إلى المكان لتغطية الحدث. فعرفت أنها مدرسة شقيقيّ. حاولت الاتصال بهما من دون جدوى. تابعت عملي في المدرسة ثم انتقلت إلى مستشفى ريديلدنك، من دون أن أتوقف عن محاولة الاتصال بهما".

كانت تنقل الحدث من أحد المستشفيات على الهواء مباشرة، لتجد عمها وأقاربها يبحثون عن أبنائهم. توجهوا أخيراً إلى المستشفى العسكري، وبعد البحث وجدت أن شقيقيها قد قتلا. تقول سنبل: "خرجنا جميعاً من البيت. ذهبا إلى المدرسة وتوجهت إلى عملي. لم أكن أدري أنني لن أراهما مجدداً. لقد دمروا حياتي وحياة أسرتي. لا أدري كيف لي أن أعيش بعد هذا الهجوم"؟
لخورشيد خان قصة مؤلمة أيضاً. هو والد الطفل ناصر. يقول إن ابنته شكوفته كانت مريضة، وكان ناصر أيضاً يعاني من التهاب في الحنجرة. لم يرغب في الذهاب إلى المدرسة وطلب من والدته أن تأخذه إلى الطبيب. لكن الأم أصرت أن يذهب ابنها إلى المدرسة، على أن تأخذه وشقيقته إلى الطبيب لدى عودته إلى البيت. لم تكن تدري أن ابنها لن يعود. يضيف "أخشى أن تفقد زوجتي أعصابها. ليتها استجابت إليه ولم تجبره على الذهاب إلى المدرسة".

من جهته، يقول نيك محمد، وهو أحد سكان جل بهار وسط مدينة بيشاور: "دفنا نحو عشرين طالباً من قرية واحدة. كان الجميع يبكون ويصرخون، ويتساءلون عن الذنب الذي بسببه قُتل أولادنا الأبرياء".

وفي مدينة شارسده، دفن أهالي المدينة سبعة أطفال، بينهم سبزعلي خان أحد أساتذة مادة الفيزياء في المدرسة. أما في مدينة نوشهرة، فقد دفن ثمانية طلاب بينهم الأخوان عمير وهلال. في المدينة عشرات القصص المأساوية. كأنه لا يمكن للأمهات والآباء في بلد كهذا أن يتوقعوا يوماً عادياً من دون مفاجآت إرهابية، كأن يذهب أطفالهم إلى المدرسة ويعودوا لتناول غذاء لذيذ.

يذكر أن عدد ضحايا المجزرة التي ارتكبتها حركة طالبان أسفرت عن مقتل 148 شخصاً، بينهم 132 تلميذاً.
المساهمون