"زواج الشغار" يدمّر حياة الأفغانيات

03 يناير 2016
ما زالت بعض مناطق جنوب البلاد تحتفل به(فرانس برس)
+ الخط -
لا تُسجَّل أيّ محاولات جادة، لا من قبل الحكومة ولا المجتمع المدني ولا المؤسسات التي تُعنى بشؤون المرأة، والتي تحصل على مبالغ ضخمة من المجتمع الدولي لتحسين وضعها، للحدّ من ظاهرة زواج الشغار في أفغانستان

عندما يسيطر الفقر والجهل على المجتمعات، يُلحظ انتشار بعض الظواهر التي يرفضها المنطق. "زواج الشغار" من تلك الظواهر في أفغانستان، وينتشر في مناطق مختلفة من البلاد، لا سيّما الجنوب. ويقضي زواج الشغار بتزويج الرجل ابنتَه أو أخته لرجل آخر، على أن يزوجه الأخير ابنته أو أخته.

لهذا الزواج آثار سلبية جمّة على المجتمع، من أبرزها قطع الصلات بين الأسر المختلفة وخلق نزاعات قبلية تستمر لأعوام وعقود وتؤدي في بعض الأحيان إلى سقوط قتلى بين الأقارب، بالإضافة إلى تدمير حياة الفتيات اللاتي يتزوّجن بهذه الطريقة على الرغم من إرادتهن.

ألم وحسرة
موسى خان من سكان مدينة زرنج عاصمة إقليم نيمروز في جنوب أفغانستان، يعيش في حالة قلق مذ زوّج أخته قبل 30 عاماً لأحد أقاربه ويدعى نجيب الله، في مقابل زواجه هو بأخت الأخير. هو يشكو من أن تلك السنين "مضت من دون راحة ولا طمأنينة وقد كثرت همومها". يضيف أن "زواج الشغار بدايته سرور ونهايته ألم وحسرة ومأساة". ويخبر أنه "بعدما طلق نجيب أختي قبل عشرة أعوام، أجبرتني الأسرة على العمل بالمثل وتطليق زوجتي. لكنني لم أفعل، فأنا أنجبت أولاداً وأحبهم وأحب زوجتي. لكنهم أرغموني على الزواج بامرأة ثانية لأخذ الثأر من أسرة زوجتي الأولى".

ما زالت معاناة موسى خان متواصلة، إذ إن أخته المطلقة وثلاثة من أولادها يشكّلون عبئاً عليه. ويأتي كل ذلك بسبب زواج الشغار الذي لجأت إليه أسرة موسى بسبب الفقر وعجزها عن تزويج ابنها، خصوصاً أن المهور باهظة في جنوب أفغانستان.

شقاق في الأسرة
زواج الشغار نفسه، أدى إلى قطع الصلة بين الأخوين الشقيقين محمد عاشق ومحمد محبوب من مديرية شنواري في إقليم ننجرهار، وخلق عداء بينهما. حتى اليوم، يلقي ذلك بظلاله على جميع أفراد الأسرة التي كانت تعيش في جو من الحب. قبل خمسة أعوام، طلبت زوجة محمد عاشق منه البحث عن خطيبة لابنها سرور (23 عاماً آنذاك). من جهته، كان محمد محبوب يبحث أيضاً عن خطيبة لابنه مسكين (20 عاماً). اقترحت والدة الرجليَن تزويج حفيدَيها بحفيدتَيها بزواج الشغار، وتمّ الأمر على الرغم من الخلافات حوله في داخل الأسرة. مضت الأيام والأشهر وبدأت الأمور تتغير شيئاً فشيئاً. ابنة محبوب كانت تشتكي إلى أبوَيها من سوء معاملة حماتها زوجة محمد عاشق، ومن تعدّي زوجها عليها ضرباً بعدما تحثه أمه على ذلك. ساءت الأمور وقد وصلت إلى درجة تبادل إطلاق النار بين أفراد عائلتَي الشقيقَين. وانقطعت كل الصلات بينهما.

آثار خطيرة
تشير الناشطة الاجتماعية سيما محمودي إلى أن "زواج الشغار من العادات القبلية القديمة وقد انخفضت وتيرتها خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها ما زالت تسجّل في بعض مناطق جنوب أفغانستان. ولأنها تخلّف آثاراً سلبية كثيرة على المجتمع، لا بدّ من بذل جهود حثيثة لاستئصالها من جذورها". وتلقي باللائمة على الحكومة، متهمة إياها بـ "تسويف جميع القضايا التي تتعلق بالمرأة الأفغانية، وبعدم الاهتمام بالقضايا التي تُدمَّر على خلفيتها حياة مئات النساء، وفي مقدمتها زواج الشغار".

وترى محمودي أن الحل الحقيقي للتخلص من زواج الشغار يكمن في رفع المستوى المعيشي للمواطنين، إذ إن هذا النوع من الزواج لا يتمّ في الغالب إلا بسبب العوز والعجز عن تزويج الأولاد.

إذاً، الفقر والمهور الباهظة في جنوب البلاد، وخصوصاً في أقاليم بكتيا وبكتيكا وخوست ونيمروز، من أبرز أسباب لجوء الناس إلى زواج الشغار. على سبيل المثال، في حال عجز الأب عن دفع المهر لزوجة ابنه، يعمد إلى تزويج ابنته بدلاً عنه. والأسوأ أن في بعض الأحيان، تُزوَّج القاصرات لكبار العمر، لأن الشاب إذا أحبّ ابنة الرجل أو أخته، فإنه يزوّج أخته الصغيرة مقابل زواجه ممن يحبّ. والفتاة لا تملك الإرادة ولا الخيار.

عثمان من سكان المناطق الجبلية النائية في مديرية خوجياني في إقليم ننجرهار، يخبر أن "جاراً لي أحبّ ابنة أحد أقاربه، فاشترط الأخير أن يتزوّج في المقابل بأخته الصغيرة التي لم تتجاوز عامها الخامس عشر. وهكذا، وافق الشاب على أن تصبح أخته الصغيرة الزوجة الثالثة لرجل تجاوز الستين من عمره".

وفي هذا السياق، يقول رجل الدين محمد شريف، وهو قاضٍ في محكمة أفغانية، إن "زواج الشغار من العادات الجاهلية وهو ما زال منتشراً في بعض مناطق أفغانستان مع الأسف الشديد". ويؤكد أنه "نوع من الظلم الذي يمارس على النساء اللاتي لا يملكن في الغالب إرادتهن"، مشدّداً على أن الإسلام حرّم زواج الشغار.

اقرأ أيضاً: شهر عسل بدل حفل الزفاف في موريتانيا
المساهمون