يشتري كثير من الليبيين أدوية الأمراض المستعصية من تونس أو مصر المجاورتين أو غيرهما من البلدان، بعد شيوع الأدوية المغشوشة في الأسواق الليبية، الأمر الذي تعترف به حكومات البلاد. وعلى الحدود الليبية مع تونس، يقف المسافرون الليبيون في طوابير طويلة بهدف الوصول إلى أقرب مدينة تونسية وشراء أدوية والعودة في اليوم نفسه. ويقول أحد المسافرين عبر المنفذ الحدودي محسن بريبش، إنّ شقيقه يعاني من السرطان، إلّا أنه لم يعد يثق بجرعات الكيماوي المتوفرة في السوق الليبية.
ويؤكّد بريبش أن بعض الأطباء أخبروه بأنّ تلك الجرعات إما منتهية الصلاحية، أو تقلد في مصانع غير معروفة تهرّب الأدوية إلى ليبيا بشكل غير شرعي. من جهة أخرى، لا خيار أمام محمد الزين، وهو مواطن آخر ينتظر في طابور المسافرين، إلّا السفر إلى بلدة بنقردان الحدودية برفقة زوجته التي تعاني فشلاً كلوياً مرة كل أسبوعين، من أجل أن تخضع لجلسات غسل الكلى. ويخشى أن تكون الأدوية المصاحبة لعملية الغسل مغشوشة.
كثيرة هي الحالات المشابهة لحالتي بريبش والزين. إضافة إلى ما سبق، هناك نقص في أدوية الأمراض المستعصية. بريبش يقول إنه سافر مع طفليه العام الماضي إلى مدينة جرجيس التونسية من أجل الحصول على اللقاحات السنوية التي عجزت المراكز الصحية عن توفيرها لأشهر عدة خلال العام الماضي.
وسط العاصمة طرابلس سوقان، الأول في حي باب بن غشير والثاني في الدريبي، وهما الموزعان الرئيسيّان للصيدليات الخاصة. ولدى تجار المحال رخص قانونية للتوريد وممارسة هذه المهنة. وتقتصر الإعلانات من قبل الحكومة على تحذير المواطنين من استهلاك بعض الأدوية، بسبب تحذيرات دولية من الشركات المصدرة أو بعض الدول لاحتوائها على مواد تسبب أضراراً جانبية. ويمارس مركز الرقابة على الأغذية والأدوية عمله من خلال نشر تعميمات تخص رفضه دخول شحنة أدوية ما عبر المنافذ الرسمية.
لكن رمزي بوستة، وهو طبيب ليبي، يؤكد أن تلك الإعلانات لا تتجاوز كونها حبراً على ورق. ويسأل: "هل تابع المواطن إجراءات أخرى بعد هذه الإعلانات تفيد بأن السلطات سحبت تلك الأدوية من الصيدليات أو تخلصت من شحنة مصادرة أو رفضت دخولها عبر المنافذ؟". يضيف بوستة لـ "العربي الجديد" أن "هذا نادر الحدوث، وغالبية الشحنات تدخل الأسواق الليبية"، مؤكداً أنه اكتشف أدوية منتهية الصلاحية لدى مرضاه. وعن دور الحكومة في توفير الأدوية والرقابة عليها، يوضح بوستة: "الوضع تجاوز مشكلة لجوء المواطن إلى الصيدليات الخاصة بسبب عدم توفر الدواء في المستشفيات، بعدما بات بعض المرضى يشترون الأدوية من دول مجاورة". ويلفت إلى أن "المشكلة قانونية، ولذلك استشرى الفساد". ويشير بوستة إلى وجود أدوية مغشوشة في ليبيا. وكل مستورد يضع الأسعار التي تناسب رأس ماله وتؤمن له الأرباح.
ويرى بوستة أن لجوء المواطن لشراء دوائه من بلدان الجوار بأي سبيل "دليل على وعيه. وهذه طريقة لكشف المتاجرين بأمراض الناس". ويقر أيضاً بأن "القضاء على ظاهرة الدواء المغشوش أو التهريب أمر بعيد المنال"، عازياً الأسباب إلى الضعف الأمني وسيطرة المليشيات التي تحمي المهربين والتجار الذين باتت سلطتهم أقوى من سلطة الدولة.
وخلال استشراء مرض اللشمانيا في غالبية المدن الليبية، أعلنت وزارة الخارجية أنها أوعزت لسفاراتها في الخارج طلب مد يد العون من الدول التي تمتلك ليبيا فيه تمثيلاً دبلوماسياً. إلا أن مركز الرقابة على الأغذية والأدوية أعلن منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، رفضه شحنة دواء من نوع Pentostam المخصص للشمانيا، والذي تم استيراده عن طريق وزارة الخارجية لصالح وزارة الصحة. وعلى الرغم من استيراده بشكل رسمي، إلا أن المركز أكد أن الدواء "غير صالح للاستهلاك البشري".
بالنسبة إلى بالحسن الشاعري، وهو مواطن من المرج شرق البلاد، فإنّ ذلك يؤدي إلى عدم ثقة المواطن بالجهات الرسمية. ويسأل: "كيف لي أن أثق مجدداً بالحكومات وقد باتت في خانة المهربين الآن؟". ويبيّن لـ "العربي الجديد" أنه يشتري أدوية تصلب الشرايين من الإسكندرية في مصر، موضحاً أنه يشتريها بنفسه أو يطلب من أي مسافر إلى هناك شراءها. "أنا على هذه الحال منذ عامين".
وبحسب إحصائيات رسمية حكومية، تعمل في ليبيا 1265 شركة لتوريد الأدوية، وقد تلقت اعتمادات من الدولة بشكل رسمي. لكن أم سناء التي تعتزم الذهاب إلى جربه التونسية برفقة ابنها لشراء دواء لابنتها التي تعاني من الربو، تؤكد أنها تشتري دورياً الأدوية من تونس. وتوضح لـ "العربي الجديد" أن "الأسعار أكثر ارتفاعاً في تونس، لكن لا بد من شراء الدواء"، مؤكدة أن حالة ابنتها تراجعت بشكل كبير بسبب الدواء منتهي الصلاحية.