يعملون في الصيف للاستمتاع

15 اغسطس 2015
فقر الحال يدفعه إلى العمل (جيم رانكين/فرانس برس)
+ الخط -

في فصل الصيف، لا ينسحب خيارُ الاستمتاع بالبحر والراحة على الجميع. في تونس، يستغل البعض هذه الفترة للعمل وادخار بعض المال لتغطية مصاريف العام الدراسي المقبل. ويجد مئات الشباب والأطفال في العطلة الصيفية فرصة للعمل وكسب المال، وخصوصاً التلاميذ والطلاب الذين ينحدرون من عائلات فقيرة أو محدودة الدخل. هؤلاء يلجؤون للعمل لإعالة أسرهم وتوفير احتياجاتها قدر الإمكان، بالإضافة إلى تأمين مستلزمات العام الدراسي المقبل. حتى إن البعض يستمتع بالعمل كونه فرصة لقضاء الوقت والتواصل مع الآخرين واكتساب الخبرة.

ربما تجمعُ هؤلاء ظروف متشابهة، علماً أن كل واحد منهم يختار عملاً يتقنه أو يوفر له بعض المال، على غرار خالد بن رجب (22 عاماً) الذي ينتقل من منطقة القصرين في وسط تونس إلى العاصمة وغيرها من المدن الساحلية للعمل. يدرس في المعهد العالي للتكنولوجيا. يضطر إلى العمل في فصل الصيف، وخصوصاً أنه ينتمي إلى عائلة فقيرة. بدأ العمل حين كان في السادسة عشرة من عمره. منه، يدخر المال الذي يساعده لتغطية مصاريف الدراسة. يقول لـ "العربي الجديد" إنه يجني 250 ديناراً (120 دولاراً) شهرياً نتيجة عمله في أحد المصانع.

يضيف أن عمله البسيط يمكنه من توفير بعض المال الذي يساعده لتغطية مصاريف الدراسة.
لا تختلف تجربة منذر الرحالي (25 عاماً)، والذي يدرس في كلية الآداب، عن خالد. هو أيضاً يعمل مذ كان في الخامسة عشرة من عمره. يبيع الملابس على أرصفة العاصمة. عمله هذا يساعده في تغطية مصاريف الدراسة، وخصوصاً أن دخل والده يعد بسيطاً. وبعكس هذين الشابين، فإن الطالب مجدي التائب يعمل مع والده في بيع بعض الأواني الخزفية التقليدية، ويتنقل بها من مدينة إلى أخرى لترويجها، وخصوصاً أن هذه التجارة شهدت كساداً كبيراً بسبب ضعف الحركة السياحية. يرغب فقط في مساعدة والده والحد من الخسائر. يقول إنه سعيد بمساعدة والده خلال فصل الصيف، حتى إنه تمكن من اكتساب خبرات جديدة وصداقات خارج إطار المدرسة. وبالنسبة إليه، هذه فرصة للانخراط باكراً في سوق العمل، وخصوصاً أن عدداً كبيراً من الشباب يعانون من البطالة.

الأطفال أيضاً لا يغيبون عن سوق العمل خلال فصل الصيف. تجبرهم ظروفهم المعيشية على تحمّل المسؤولية باكراً. يختار بعضهم بيع المناديل الورقية أو عقود الفل والياسمين في المقاهي والمناطق السياحية. فيما يختار آخرون العمل في مهن أخرى كالنجارة والحدادة وتصليح السيارات. كذلك، يلجأ آخرون إلى بيع الأكياس البلاستيكية في الأسواق، أو يجرون عربات صغيرة لبيع الحلوى أو المياه الباردة أو الخبز.

أحمد، وهو في العاشرة من العمر، يبيع المناديل الورقية يومياً في غالبية محطات المترو في العاصمة. وفي معظم الأحيان، تكون نبرة صوته أقرب إلى الاستعطاف منها إلى البيع. يقول هذا الطفل الذي يدرس خلال فصل الشتاء ويعمل في الصيف إن عمله لا يوفر له مالاً كثيرة. لكن في بعض الأحيان، يساعده الناس وخصوصاً حين يعلمون أنه ما زال تلميذاً في المدرسة.
من جعته، اختار الطفل مختار عبيد (سبع سنوات) بيع عقود الياسمين. يبدأ عمله من الساعة الثامنة صباحاً وحتى العاشرة ليلاً. يضطر إلى تحمل ساعات العمل الطويلة هذه لتخفيف أعباء أخرى تتعلق بمصاريف دراسته.

في السياق، يشير أستاذ علم الاجتماع طارق بلحاج محمد لـ "العربي الجديد" إلى تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال، وخصوصاً في فصل الصيف، موضحاً أن الفقر يكاد يكون أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع بعض الطلاب والأطفال للعمل، في ظل غلاء المعيشة. يضيف أن بعض الأسر تضطر إلى الاستعانة بأساتذة لإعطاء أطفالهم دروساً خصوصية، ما يفاقم مصاريفهم. الأمر الذي يدفع بعض الطلاب والتلاميذ إلى العمل خلال فصل الصيف لتوفير بعض حاجياتهم المادية.

وتجدر الإشارة إلى أن عدد المنقطعين عن الدراسة في تونس يصل إلى أكثر من مائة ألف تلميذ سنوياً، وذلك بحسب دراسة أصدرها أخيراً المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حول أسباب الانقطاع عن المدرسة في البلاد. وأظهرت أن غالبية هؤلاء يقطنون في المناطق الريفيّة، نتيجة تردي الظروف المادية والاجتماعية، بسبب التهميش وبعد المؤسسات التربوية عن مواقع السكن. وقال 78 في المائة من المنقطعين عن الدراسة إن أمهاتهم لا يعملن، و52 في المائة أشاروا إلى أن آباءهم لا يملكون دخلاً ثابتاً.

اقرأ أيضاً: تحرّكات احتجاجية للعاطلين عن العمل في تونس

المساهمون