جدران الجزائر لتفريغ المكبوت

06 نوفمبر 2015
رسائل جدارية.. خاصة وعامة (فرانس برس)
+ الخط -
تنتشر ظاهرة الكتابة على الجدران في الجزائر أخيراً، لتغزو جدران المدارس والمساكن. حتى المقابر، لم تسلم منها. ويربط بعض الشباب هذه الكتابات بمشكلاتهم ويومياتهم، إذ هي وسيلة بالنسبة إليهم للتعبير عن انشغالاتهم اليومية، وغالباً ما تكون "هروباً" من واقع معاش.

تأتي العبارات المقتضبة تلك إلى جانب أبيات شعرية ورسومات جميلة سبق وملأت بعض الجدران. أما كلماتها فتُكتب بلغة بسيطة، وغالباً ما تكون باللهجة المحلية أو بإحدى اللغتَين الفرنسية أو الإنجليزية، وقد تترافق أحياناً ببعض رسومات. واليوم، أصبح الراغب في تشجيع فريق رياضي أو مناصرة حزب معيّن، يلجأ إلى جدران مرافق خاصة وعامة. ويُعَدّ ذلك ذو حساسية وأهمية على الصعيد النفسي والاجتماعي، وكذلك مع بُعد ثقافي. بالنسبة إلى الاختصاصيين في علم النفس، هذه الكتابات هي وسيلة للتنفيس عن المكبوتات التي يعجز الفرد عن البوح بها، فيخرجها أمام الملأ على الجدران.

ترى الباحثة نورة عامر، في "دراسة التصورات الاجتماعية للكتابات الجدارية في المجتمع الجزائري"، أن "الكتابات الجدارية ومهما كان الهدف منها، سواء أكانت للمطالبة بالحقوق المهضومة أم أسلوب تعبير أو رفض للواقع المعاش أو فرصة سانحة للانتقام ورد الاعتبار، فإنها في مجملها أسلوب عنف يعمد فاعلوه إلى إشهاره في وجه العامة عبر ما يكتبونه ويرسمونه بوضوح أو بغموض، مفضّلين هذا الأسلوب على الظهور علناً. وتأتي الرموز الجدارية أسلوباً للتخفّي في نشاط ممنوع قانونياً واجتماعياً".

وفي بحث ميداني، حلّلت عامر الكتابات الجدارية في الجزائر من خلال التصورات الاجتماعية. وأتت النتائج على الشكل الآتي: "أولاً، الكتابات الجدارية ظاهرة متواجدة وأصيلة في المجتمع الجزائري. ثانياً، ثمّة تصورات اجتماعية متباينة حول الكتابات الجدارية. ثالثاً، تعدّ الكتابات الجدارية عنفاً رمزياً، عنف موجّه إلى عامة الناس دون خاصتهم. رابعاً، تكرر العنف الرمزي في 28 عبارة، أي بنسبة تفوق 15 في المائة. خامساً، تلحق المعاناة النفسية العنف مع نسبة تتعدى 12 في المائة، لتليها المشاكل العاطفية والعائلية والاجتماعية".

للوقوف عند رأي الشباب، التقت "العربي الجديد" بعض التلاميذ في حي باب الود في الجزائر العاصمة. بالنسبة إلى كريم، "أكثرنا يحاول من خلال الكتابة على الجدران إيصال رسالة ما أو التنفيس عن حاجة أو غضب من شيء يفرضه علينا المجتمع". يضيف أنه "على الرغم من تحذيرات الإدارة، إلا أننا نجد فرصة للكتابة على جدران المدرسة كنوع من العبث أو السخرية من آخرين أو للانتقام من المدرّسين والمسؤولين الذين يعمدون دائماً إلى توبيخ التلاميذ والسخرية منهم. نحن نكتب ما لا نستطيع قوله أمام المدرّس، ونخطّ كذلك شعارات لتأييد الأندية الرياضية التي نشجعها". أما عمر، فشير إلى أن "الجدران في الأماكن العامة هي المساحة البيضاء المتاحة لنا ولكتابتنا أو رسمنا. ويمنحنا ذلك متعة وفضاءً أوسع للتعبير"، وهو ما يؤكده أمين قائلاً: "أنا أهوى الرسم على الجدران وأرى أن المساحة الواسعة تمنحني مجالاً أكبر للتعبير عمّا في داخلي وعن أفكاري. هو صوت الذين لا يستطيعون التعبير عمّا في داخلهم في أماكن أخرى". يضيف: "من يطّلع على ما يُكتب على الجدران، يجد في ذلك تعبيرات عن هموم الشباب وآمالهم وأحلامهم في الهجرة والسكن والعيش الكريم. وكثيراً ما نرى فيها نداءات لحبيب غائب. ثمّة كمّ هائل من الأحاسيس المكبوتة التي لا يمكن التعبير عنها، إلا عبر الكتابة على الجدران والكراسي ومقاعد المدرسة". من جهتها، تقول نور: "هي ظاهرة منتشرة بكثرة في المدارس وعلى جدران الشوارع القريبة منها". وتلفت إلى أن "الفتيات يشاركن أيضاً في ذلك، وقد رحن يكتبن على جدران دورات المياه وأبوابها".

تجدر الإشارة إلى أنه حتى مقاعد الجلوس في حافلات النقل، تحوّلت لوحات لتسجيل الذكريات والأسماء وأرقام الهواتف النقالة. إلى ذلك، قد تصبح الكتابات على الجدران وسيلة للتشهير والإساءة كما حصل قبل فترة في الجزائر العاصمة، عندما اعتقلت الشرطة شباناً كتبوا أرقام هواتف فتيات في الأماكن العامة.

من جهة أخرى، أشارت دراسات حديثة إلى تراجع التعبير عبر الكتابات الجدارية أمام تنامي التعبير عبر "كتابات جدارية مرقمنة" في السنوات الأخيرة. أصبح بالإمكان التعبير عمّا في داخلنا على جدران مواقع التواصل الاجتماعي، من مشاعر الحب والرغبة إلى خطابات الثورة والتغيير.

إقرأ أيضاً: "حيطيست".. جزائريون يعانون من البطالة المزمنة
المساهمون