النكتة سلاح المصريين لإسقاط الرؤساء

31 مارس 2014
+ الخط -
يقال إن "النكتة السياسية هي صحيفة المعارضة الأسرع تعليقاً والأوسع انتشاراً"، فعلى مر العصور كانت النكتة السياسية هي سلاح المواطن المصري للتغلب على همومه وأحزانه، ومواجهة الصعاب التي قد لا يستطيع مواجهتها صراحة، فصاحبته في أصعب ظروفه الإنسانية، وأطلقها سلاحاً جارحاً يشرّح به مساوئ السياسة والساسة، ويسخر من المستبدين  ويقلل من هيبتهم.

يقول الأكاديمي المصري الراحل عبد الوهاب المسيري، "النكتة باعتبارها جزءاً من الثقافة الشفهية يمكن أن تكون قناة يعبّر من خلالها الرأي الشعبي عن رأيه ورؤيته وغضبه، بعيداً عن رقابة سلطة الدولة المركزية، وبالتالي يمكن للنكات أن تكون مؤشراً على تصاعد الوعي الشعبي، ودعوة لقوى المعارضة وأعضاء المجتمع المدني إلى التحرك، تساندهم قاعدة شعبية عريضة".

والنكتة بالنسبة إلى المصري، كما يراها الصحافي عادل حمودة في كتابه "النكتة السياسية" تعني "المقاومة الساخرة، الواعية، الحية، المتفلسفة، وربما السلبية أيضاً، مقاومة تعطي الشعب (الأمان)، وتعبر عن إرادته التي لا تفنى، ولا تقر الخوف وتسعى إلى أن تتجاوزه"، هي "انتقام مقدس، يدافع به الشعب عن نفسه ضد الطغيان".

 
من التنفيس إلى التغيير

انتشرت السخرية والنكتة السياسية في مصر من قديم، لكن ثمة تطوراً ملحوظاً طرأ على دورها

وتوظيفها، فبعدما كانت وسيلة للتنفيس عن الضغط وحالة الاحتقان التي تصيب المصريين وقت الأزمات في عهدي الرئيسين السابقين جمال عبد الناصر وأنور السادات، وكانت النكات والسخرية مؤشراً واضحاً على مدى القبول والرضا الشعبي عن حكامه، وإن لم ترق لمستوى التأثير الحقيقي على  نظام الحكم، إلا أنها أصبحت في أواخر عهد مبارك إحدى الأدوات الفاعلة في الحشد لإسقاط نظامه ومن أبرز ما تميزت به ثورة يناير.

وفيما استمرت السخرية سلاح المصريين إبان فترة المجلس العسكري الذي خلف مبارك في الحكم خلال المرحلة الانتقالية وخلال حكم الرئيس محمد مرسي - الذي كانت أيضاً من أهم الأدوات التي استخدمت في التجهيز للانقلاب العسكري الذي أطاح حكمه في الثالث من يوليو/تموز 2013-.

وسخر المصريون من مبارك ومن نيته لتوريث الحكم لابنه جمال، وانتشرت العديد من النكات تعبر عما لم يكن المصريون يقولونه صراحة، من ذلك "الرئيس هيثم جمال مبارك يهنئ الأمة المصرية بمناسبة حلول عام 2075 ويؤكد أن السلطة في مصر لم ولن تورَث"، وتناقلوا: "أن تعطي ابنك موبايل فأنت لطيف، أن تعطي ابنك سيارة فأنت كريم، أما أن تعطي ابنك بلدا وشعبا يلعب بهم هو وأصحابه فأنت مبارك".

وجاءت ثورة يناير لتمتلئ الميادين بلافتات ساخرة ونكات مسيئة لمبارك ونظامه، مثل "زين العابدين لمبارك: انا في انتظارك مليت"، و"ارحل بقى  ايدي وجعتني"، و"ارحل.. مراتي وحشتني"، و"رابطة نجاريي مصر يسألون الأسطى مبارك: "ما نوع الغراء الذي تستخدمه؟".

وبعدما كانت النكات تنتشر مفردةً في المجتمع عبر ألسنة الناس وتجمعاتهم المحدودة، أصبح لها أدوات متعددة ومنصات إعلامية ومنابر تطلقها وتنشرها، وخصصت لذلك مساحات إعلامية قوية كان أبرزها برنامج "البرنامج" الأكثر إثارة للجدل ومقدمه الإعلامي باسم يوسف، وباتت مواقع التواصل الاجتماعي، ولاسيما موقعي تويتر وفيسبوك، من أهم ساحاتها.

إسقاط الهيبة.. كأس دائر

وإذا صح القول أن الرئيس المخلوع حسني مبارك كان أول ضحايا النكتة من الرؤساء، فمن

المؤكد أن الرئيس المعزول محمد مرسي لن يكون آخرهم، فقد تعلم المصريون الدرس وأمسكوا المفتاح بأيديهم.

وليس أدل على ذلك من موجة السخرية العارمة – التي قد تكون الأكثر انتشارا ــ والتي بدأت مبكرة مع إعلان عبد الفتاح السيسي نيته الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية، حيث سجلت ملايين المشاركات في وسم "هاشتاج" انطلق على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام، يحمل إساءة إلى وزير الدفاع المصري السابق، بعد يوم واحد من إعلانه الاستقالة من منصبه، والترشح لرئاسة البلاد، بعد تسعة أشهر من قيادته انقلاباً عسكرياً على الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي. وتحولت المشاركة في الهاشتاج "انتخبوا الع..." إلى ما يشبه السعار المحموم، مساء الخميس الماضي، حيث وصل عدد التفاعلات في الهاشتاج حتى فجر اليوم أكثر من مئة وخمسة ملايين مشاركة، كتبها نحو 18 ألفا من رواد موقع الرسائل القصيرة "تويتر"، بينما وصل الرقم على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" إلى رقم مشابه.

وكانت تعليقات إعلاميين مصريين مؤيدين للانقلاب العسكري أن هذه الحملة تهدف إلى الاغتيال المعنوي وإسقاط هيبة السيسي (كما فعلنا مع مرسي سابقاً)!.

الضحك على الرئيس

كتاب جديد حمل عنوان (الضحك على الرئيس) صدر في القاهرة يسجل دور السخرية في إنهاء حكم الرئيس المصري (المخلوع) حسني مبارك في فبراير/ شباط 2011، ويقول الكتاب: إن الشعب لاحق أيضاً الرئيس السابق محمد مرسي بسخرية تكاد تعادل كم سخريته من مبارك على مدى 30 عاماً.

وقال منتصر جابر مؤلف الكتاب ــ حسب وكالة رويترزــ "ربما لأول مرة في التاريخ يُسقط شعب حاكمه بالضحك عليه"، ويشير إلى أن أحد أسباب تنحي مبارك هو سقوط هيبته بعد انتشار النكات واللافتات الساخرة خلال 18 يوماً من الاحتجاجات الحاشدة التي انطلقت يوم 25 يناير 2011 وكانت قاسية "وبحسب الكاتب: بالفعل سقط مبارك بالتنكيت وبالسخرية منه".

وأضاف جابرفي كتابه الذي حمل عنواناً فرعياً هو (كيف أسقط المصريون نظام الحكم بالتنكيت) أن مرسي طاولته السخرية منذ ترشحه للرئاسة وطوال فترة حكمه التي استمرت عاماً واحداً.

وقال المؤلف إن السخرية سلاح مصري قديم يرجع إلى نحو 46 قرناً من الزمان، منذ عصر الملك سنفرو أبو الملك خوفو صاحب الهرم الأكبر جنوبي القاهرة، وإن "أقدم نكتة عرفها الإنسان في التاريخ فرعونية الأصل" حيث طرح البعض سؤالا عن كيفية رفع معنويات الملك سنفرو حين يذهب لصيد السمك؟ وكانت الإجابة: "ترمي أحد العبيد بدون أن يدري (الملك) ثم تصرخ بأعلى صوتك هناك سمكة كبيرة يا سيدي"، وأن "المصريين تهكموا على الهكسوس الذين غزوا البلاد في القرن الثامن عشر قبل الميلاد حين صوروهم على هيئة فئران".

الرؤساء يعترفون

ولم يكن تأثير النكتة على الوضع السياسي خافياً، فالسخرية والنكتة كانتا تعبّران عن اتجاه الرأي العام، واستخدمتهما بعض أجهزة الاستخبارات لصناعة حالة شعبية معينة، وكان عبد الناصر أول رئيس تحدث عن النكتة في البرلمان حين قال: "الشعب المصري يمسك أي حاجة وينكِت عليها"، ودفعته نكات إلى عزل بعض الوزراء، وحدثت بينه وبين بعض الشخصيات الأدبية المعروفة ما يصل إلى القطيعة بسبب نكات قيل إنهم كانوا وراء تأليفها، كما حدث مع الأديب "عبد الحميد السحار" حين أطلق النكتة الشهيرة التي تقول بأن رجلاً كان يشتري الصحيفة صباح كل يوم، ثم لا يكاد ينظر في الصفحة الأولى حتى يرميها على طول من يده، ولما سألوه: بتعمل كده ليه؟ أجاب: كفاية إني قريت الوفيات. فسألوه: بس الوفيات موش في الصفحة الأولى؟! فقال لهم: اللي مستنّي موته سأجده في الصفحة الأولى!

دلالات
المساهمون