تونسيّات يهجرن "السفساري"

05 مايو 2016
يصنع السفساري (العربي الجديد)
+ الخط -
منذ أكثر من 25 عاماً، يقضي محمد عشر ساعات يومياً في دكانه وسط العاصمة تونس. فيه، يصنع المفارش والأغطية وبعض الأقمشة النسائية بطرق تقليدية بسيطة. ورث هذه الحرفة عن جدّه، وقد تعلّمها حين كان في الخامسة عشرة من عمره.
في دكانه الصغير، تجد "النول"، الآلة الخشبية التي تستخدم لصناعة المفارش والأقمشة. وكانت قد استُخدمت قبل أكثر من 60 عاماً لصناعة الغطاء النسائي، الذي يسمى في تونس بـ"السفساري"، وهو لباس تقليدي يصنع من القطن أو الصوف أو الحرير، وتتعدّد ألوانه، منها الأبيض والأصفر والأسود.

لكن في تونس والمغرب العربي، هناك تفضيل للون الأبيض. والسفساري قطعة كبيرة من القماش كانت تستخدمه المرأة لتغطية كامل جسدها احتشاماً، عدا الوجه والكفين. وقد انتشر بشكل كبير في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من وجود آلات كهربائية لصناعة الأقمشة والسفساري والأغطية، إلا أنّ العديد من ممتهني هذه الحرفة ما زالوا يستخدمون "النول" ويفضلون اعتماد الوسائل التقليدية لصناعته، محافظين على معدّاتهم الخشبية البسيطة.

وعلى الرغم من عدم قدرة كل حرفي على صناعة أكثر من غطاء واحد كل ثلاثة أيام تقريباً، وبالتالي منافسة الآلات الكهربائية، إلّا أنّهم يعتبرون أن المنتج التقليدي اليدوي يبقى أفضل لناحية الجودة والجمالية. يشير محمد إلى أن السفساري اليدوي أفضل بكثير، لافتاً إلى أن غالبية الراغبين في شرائه يفضلون ذلك المصنوع يدوياً، خصوصاً القطني. يضيف أن ارتداء السفساري تراجع في تونس بشكل كبير، بعكس الجزائر، لافتاً إلى أن غالبية نساء القبائل ما زلن يرتدينه لدى خروجهن. لذلك، يقبل التجار الجزائريون على شرائه بشكل كبير.

صالح فضلي يصنع السفساري منذ نحو 30 عاماً. وعلى الرغم من تراجع مبيعاته، إلّا أنّه يحبّ صناعته ويتفنّن في زخرفته. يشير إلى أن هذا الغطاء النسائي، حتى وإن لم يعد عادة أو لباسا أساسيا في تونس، إلاّ أنّ غالبية النساء يرتدينه في الحفلات والمهرجانات. كذلك، ما زال يلقى رواجاً لدى الليبيّين والجزائريين والمغاربة.
على صعيدٍ آخر، فإنّ حرفة وصناعة السفساري لم تعد تستهوي الباحثين عن عمل أو الراغبين في تعلّم حرفة، خصوصاً أن عددا كبيرا من الشباب يعتبرونها حرفة غير مربحة في ظل وجود المصانع والآلات الكهربائية. ويشير أحد الحرفيّين، ويُدعى عبد الرحمن، إلى أن هذا اللباس لم يعد يلقى رواجاً لدى النساء، وصار مجرّد زي تقليدي. يضيف أنه كان هناك محال كثيرة في ما مضى تهتم بصناعته، إلا أنها باتت اليوم تعدّ على أصابع اليد. ويمكن إيجاد هذه المحال في محافظتي سوسة والمنستير في الساحل التونسي بشكل خاص، نظراً لانتشار صناعة القطن والحرير في تلك المنطقة، وارتباطها بشكل كبير بالنسيج والصناعات اليدوية، على الرغم من انتشار المصانع.



في الوقت الحالي، نادراً ما قد تجد امرأة ترتدي السفساري، إلا إذا كانت عجوزاً، أو فتاة ريفية ما زالت تستعين به للحشمة. كذلك، ترتديه بعض النساء في المحاكمات، رغبة منهن في عدم كشف أنفسهن خشية مضايقتهن في وقت لاحق، خصوصاً إذا كن يحاكمن بتهمة الزنا أو البغاء.
عدا ذلك، تحولّ السفساري إلى زيّ فولكلوري، ترتديه النساء في المهرجانات والحفلات، وفرجة للسياح خلال مرورهم في أزقة المدن العتيقة. كذلك، ترتديه النساء خلال الاحتفال السنوي بيوم اللباس التقليدي في السادس عشر من مارس/آذار.

ما زالت فاطمة، البالغة من العمر 65 عاماً، ترتدي السفساري. كانت قد بدأت بارتدائه حين كانت في الـ18 من عمرها، وقد اعتادت عليه ولم تعد تتصوّر نفسها خارج المنزل من دونه. ترى أنها عادة قديمة لا غنى عنها لمن اعتادها، مشيرة إلى أن تطوّر الحياة وتغيّر نمط العيش وخروج المرأة للعمل، دفعها إلى التخلي عنه. مع ذلك، ترتدي غالبية النساء التونسيات هذا اللباس في شهر مارس/آذار، كونه يشكل جزءاً من تقاليدهن.

وأطلقت جمعيات تونسية عدّة حملة لتشجيع النساء على ارتداء هذا اللباس التقليدي الأصيل والاحتفاظ به، خشية اندثاره في ظل الانتشار الكبير للنقاب، الذي تعده تلك الجمعيات "لباساً طائفياً". وترى أن "السفساري يجمع بين الجمال والحشمة، بعكس الملابس النسائية الأخرى التي انتشرت في تونس، والمستوردة من ثقافات وحضارات أخرى، مثل تلك الفارسية أو الباكستانية، والتي تعد بعيدة عن الثقافة التونسية".

دلالات
المساهمون